* زيادة المرتبات والمعاشات .. هل تتواءم مع الأسعار المرتفعة؟!
* اعتراف بالحق ونصيحة:
كلما حاصرتك موجة الغلاء تذكر كيف كان حالنا .. في شهر رمضان..؟
* فلنأخذ من الصور المضيئة .. سبيلا لتحقيق أمرين:
- التكيف مع الواقع..
- بذل أقصي الجهد من أجل إنتاج حقيقي شامل وواسع
* ثم.. ثم .. بغير تحيز لأنفسنا:
* فرق بين موقف القاهرة من الفلسطينيين .. وموقف واشنطن "اللاإنساني"
* محمود عباس بين غمز ولمز الاستخبارات الإسرائيلية والمصير الذي انتهي إليه ياسر عرفات!
أثبت المصريون أنهم علي مستوي المسئولية. لقد آمنوا وأدركوا أن الإصلاح الاقتصادي ضرورة تحتمها تغيرات وتطورات العصر وأن تأجيل خطواته وإجراءاته سوف يضعهم عند مفارق طرق صعبة ومعقدة.
ليس هذا فحسب بل جاء عليهم يوم تمنوا فيه تطبيق تلك الإجراءات منذ سنوات عدة.. لكن هكذا شاءت الأقدار.
من هنا.. فقد تحملوا بشجاعة وصبر وأناة.. تبعات هذا الإصلاح .. فقد تم رفع الدعم عن بعض السلع.. ولم يعترضوا.. ثم ارتفعت الأسعار .. فقرروا فرادي وجماعات أن يرشدوا استهلاكهم.. وأن يرسخوا بين بعضهم البعض معاني التكافل الاجتماعي.. بحيث يقف الغني بجانب الفقير.. وأن تصبح أيادي التعاون المشترك دائما ممتدة بلا حساسيات .. ودون منّ أو أذي.
ولعل ما حدث خلال شهر رمضان خير شاهد وأبلغ دليل.. فها هو الشهر قد قارب علي الانتهاء.. بغير شكاوي صارخة - كما كان يحدث في الماضي- .. من حيث ندرة السلع.. أو اختفاء بعضها.. أو العجز الصارخ عن الحصول عليها بسبب عدم القدرة المادية.
حدث هذا بينما نحن نخوض حربا شاملة ضد الإرهاب والإرهابيين.. والمعروف بديهيا.. أن الحرب تفرض واقعا استثنائيا.. وما كان متاحا قبل نشوبها.. يصبح صعب الوصول إليه والقوات المقاتلة في حاجة إلي دعم مادي.. وغذائي والإبقاء دوما علي جاهزية الآلات والمعدات بما فيها من طائرات وغواصات ودبابات.. وغيرها..!
لكن ما عاشه "أهل العريش" علي سبيل المثال.. يثبت أن المصريين وهم يرفعون السلاح .. فإنما يمارسون حياتهم الطبيعية بيسر وسهولة بل ورضا وقناعة وطمأنينة.
لقد توفر لأهل العريش هؤلاء.. كافة احتياجات الطعام والشراب.. وأيضا الكساء.. فلم يستشعروا بأن هناك أزمة من أي نوع بل يؤكدون أن رمضان هذا العام بالنسبة لهم يعد بمثابة شهر خير وتكافل بكل ما تحمله الكلمة من معني.
***
أيضا أهالينا في الريف.. وفي أعماق الأعماق حيث القري والنجوع تدفقت لهم قوافل "التموين" التي أدت تلقائيا إلي تواري الجشعين والمستغلين الذين تحول الكثيرون منهم من النقيض إلي النقيض فبادروا بعمل تخفيضات بنسب كبيرة علي كافة ما تحتاجه الأسرة .. وما يريده كل فرد من أفرادها.
أما بالنسبة للمدن.. فأحسب أننا جميعا شهداء حق علي ما لمسناه خلال الشهر الكريم.
نعم.. هناك بعض السلع التي ارتفعت أسعارها بصورة "استفزازية".. لكنها في النهاية لا تمثل ضرورة حتمية فما كان من الأغلبية إلا أن قاطعتها مكتفية بأساسيات الأساسيات .
أنا شخصيا.. تربطني علاقات خاصة ببعض الأحياء الشعبية منها ما عشت بين أهلها سنوات الطفولة والصبا.. ومنها ما شهدت شوارعها ودروبها السنوات الأولي من مرحلة الشباب.
وغني عن البيان .. أن أبناء مثل تلك الأحياء يتمتعون بأصالة ما بعدها أصالة وشهامة لا حد لها.. و"كرم" بلغ أقصي درجات "الحاتمية"..!.
ولقد لبيت دعوة بعضهم مرة علي مائدة إفطار.. وأخري علي وجبة سحور.. وكم بلغت سعادتي.. وراحة بالي وأنا أري هذه الموائد عامرة بالخيرات من كل نوع..!
ولقد حكوا لي أن كل شارع.. وكل حارة.. وكل زقاق .. لا ينام سكانه بالليل.. إلا بعد أن يطمئنوا جميعا علي بعضهم البعض.. ولا يوجد فرد واحد يعاني من الحرمان..!
يا سلام علي المصريين..!!
***
من هنا.. فأنا لست قلقا علي ردود الفعل الجماهيرية نتيجة ما يمكن أن يطرأ علي الأسعار من ارتفاعات خلال الفترة القادمة .. لأسباب عديدة .. لعل أهمها:
X أولا: لقد أيقن الناس أن هذا الإصلاح إنما يصب أولا وأخيرا في بواتق مصالحهم ومصالح أبنائهم وبالتالي ليس من السهولة بمكان أن يفرطوا فيه أو ينصرفوا عنه لاسيما بعد أن قطع المجتمع شوطا كبيرا في تنفيذ برامجه.
X ثانيا: هناك مثل شعبي يقول: "فات الكثير .. ولم يبق إلا القليل".
تلك حقيقة بالفعل.. وإذا كنا تحملنا العقبات الجسام خلال السنوات الماضية.. فلابد أن نثبت بيننا وبين أنفسنا أن قدرتنا علي هذا التحمل لن تفتر.. أو تخف.
X ثالثا: ينبغي أن نتخذ من تلك الصور المضيئة التي أشرت إليها آنفا سبلا للتكيف مع الأمر الواقع في نفس الوقت الذي تمتد فيه أبصارنا إلي الطريق الذي أوشكنا علي الوصول إلي نهايته بما تحمله لنا من ثمار طيبة طالما.. راودت خيالنا.
X ثالثا: لقد قررت الحكومة زيادة مرتبات العاملين وأصحاب المعاشات كما قررت رفع الإعفاء الضريبي وتلك في ذاتها إجراءات طيبة.. لكننا علي الجانب المقابل ينبغي أن نصارح أنفسنا بأنفسنا ونسأل:
* هل تلك الزيادة تكفي لمواجهة الأسعار..؟؟
الإجابة بالنفي بطبيعة الحال.
إذن ما هو الحل..؟؟
الحل يكمن في ممارسة المزيد من الصبر وإثبات الذات مع الحرص علي ترشيد الاستهلاك في أي مجال من المجالات سواء بالنسبة للكهرباء أو المياه.. أو البنزين أو السولار.. أو.. أو!
***
ثم.. ثم.. نأتي للجانب الأهم.. والأهم.. وهو العمل علي إيجاد إنتاج حقيقي شامل وواسع.
صدقوني.. مجتمع بلا إنتاج يظل دائما وأبدا .. غير قادر علي صلب عوده .. ويظل أسيرا للأزمات الطارئة وغير الطارئة..!
ومرة أخري دعونا نعترف بأن قدرتنا علي الإنتاج محدودة .. وتطلعاتنا في هذا الصدد تكاد تتوقف عند زوايا ضيقة أري أنه قد آن الأوان لتتسع.. وتتسع.
الصادرات.. يا سادة.. عامل أساسي وهام وفعال لزيادة دخلنا القومي .. وبالتالي لابد أن نركز علي ضرورة زيادة حجمها أضعافا وأضعافا لا سيما وأن المقومات والإمكانات والمزايا الكفيلة بتحقيق ذلك متوفرة وكثيرة.
نفس الحال بالنسبة للسياحة التي يفترض أن تكون قد أعدت برامج تنشيطها.. وإعادتها إلي حالتها الأولي منذ شهور مضت لاسيما في ظل توفر الأمن والأمان في شتي ربوع الوطن..!
كنت أتوقع مثلا.. أن تكون فنادقنا "الصيفية".. سواء في القاهرة أو الإسكندرية .. أو مرسي مطروح.. أو حتي الغردقة وشرم الشيخ كاملة العدد طوال تلك الفترة من العام كذلك خلال أعياد رأس السنة القادمة ..!
فهل حدث ذلك..؟!
أشك..!
أتوقع أن يأتي المسئولون عن تنشيط السياحة سواء في الوزارة المختصة .. أو الهيئات التابعة لها.. ليقولوا إن نسبة الإشغال بالفعل مرتفعة..!
لكن أرد عليهم:
لقد رفعها .. أو سيرفعها
"المصريون".. بينما نحن في حاجة إلي الأجانب من كل فج مثلما يحدث في شتي دول العالم..مع الأخذ في الاعتبار أن الفرصة أمامنا الآن هائلة بعد انحسار السياحة في تركيا.. وفي لبنان.. وفي سوريا.. بل وفي إسرائيل ذاتها..!!
هل هناك من درس ذلك.. وبحث.. وقارن .. واقتحم الأسواق الخارجية..؟!
الله وحده أعلم..!
***
والآن دعونا نتجه قليلا .. صوب العالم الخارجي.
لقد أشار الرئيس السيسي في بيانه بعد حلف اليمين الدستورية إلي دور مصر التاريخي بالنسبة للقضايا المصيرية بالمنطقة.
وغني عن البيان أن قضية فلسطين علي قائمة الأولويات ..!
وبعيدا عن أي إشادة بأنفسنا .. وعن دورنا الأصيل لحل تلك القضية علي مدي عقود وعقود.. فنحن نذكر العالم فقط بأننا .. والحمد لله.. وقفنا مع الفلسطينيين في أحلك اللحظات .. دافعنا عنهم في المحافل الدولية وحذرنا إسرائيل من مغبة التمادي في عملياتها العسكرية ضدهم..في الوقت الذي ترفض فيه أمريكا مجرد قرار من مجلس الأمن يناشد المجتمع الدولي توفير الحماية للفلسطينيين .. مجرد قرار.. تستخدم أمريكا سلاحها الأعمي المسمي بالفيتو للحيلولة دون إصداره بينما نحن نفتح مستشفياتنا لعلاج المصابين والمرضي ونسّخر أطباءنا لإجراء العمليات الجراحية لمن تتطلبها حالاتهم.. فضلا عن توفير الأسِرة والدواء وما إلي ذلك.
في نفس الوقت الذي نبعث فيه رسائل دائمة ومستمرة إلي الشرق والغرب منبهين فيها إلي أن الإصرار علي الاستمرار في سياسة نزع إرادة الفلسطينيين .. لن يؤدي إلا للإضرار بالأمن والسلم الدوليين.. ويعمل علي زيادة درجات الإرهاب أكثر وأكثر..!
ها هي مصر.. وها هم أولئك الذين يتشدقون بالحديث عن الحرية والديمقراطية والسلام.. والمساواة .. وهو حديث أثبتت الأيام أنه خاوي المعني.. فارغ المضمون.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فنحن نتمني ألا تكون الحالة الصحية التي يمر بها الرئيس محمود عباس شبيهة بحالة الرئيس الراحل ياسر عرفات والذي أصابه مرض غامض لم يكشف أحد عن سره حتي الفرنسيون الذين تولوا علاجه آثروا الصمت وعزفوا عن الكلام حتي يومنا هذا.
إن ما تقوم به المخابرات الإسرائيلية حاليا من غمز ولمز حول صحة عباس والمقارنة بينها وبين سلفه عرفات تثير القلق وأيضا الحيرة والدهشة.
***
أخيرا.. لقد اخترت أن أختم هذا المقال بتلك الأبيات الشعرية:
سأعتذر لقلبي الذي عشق من لا يعشَق
سأعتذر لقلمي الذي كتب لمن لا يقرأ
سأعتذر لعقلي الذي فكر فيمن لا يفكر
سأعتذر لروحي التي ذهبت إلي من قتلها
سأعتذر لعيني التي رأت من لا يراها
سأعتذر الاعتذارات الحارة لنفسي عما فعلت بها
***
و.. و.. وشكرا