سميررجب يكتب مقاله " خيوط الميزان " بجريدة الجمهورية بعنوان " السياسة الهادئة أفضل ألف مرة ومرة من التهديدات الاستفزازية.. والتصريحات العنترية "

بتاريخ: 14 يونيو 2018
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis

 

*قَسَم رئيس وزراء إثيوبيا أمام رئيس وشعب مصر هل يكفي لضمان عدم الإضرار بحقوقنا النيلية..؟!

*السياسة الهادئة أفضل ألف مرة ومرة من التهديدات الاستفزازية.. والتصريحات العنترية

..وأيضا الفائدة المشتركة.. أهم وأجدى من أية مشروعات أحادية

*.. وقمة مكة تقلب حسابات الإخوان ومن وراءهم

*وهكذا يتحقق الأمل الغائب منذ زمن طويل!

*من يملك الثروة لا يبخل بها على جار "مأزوم"

أو شقيق بلا موارد..!

*بالمناسبة: من بين العالم كله.. تم اختيار جزيرة صغيرة لاستضافة أخطر وأهم قمة في العصر الحديث

"والله.. والله.. لن نضر بمصالح شعب مصر".

بهذه الكلمات أقسم رئيس وزراء إثيوبيا الجديد "أبي أحمد" أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي وأمام شعب مصر كله ثم بادله الرئيس السيسي نفس القسم متعهدا بعدم الإضرار بمصالح الشعب الإثيوبي.

لكن السؤال:

هل يكفي "القسم" .. لتحقيق الهدف المنشود..؟!

أنا شخصيا أتصور أن "الموقف" يعكس إرادة صادقة بين مصر وإثيوبيا على ضرورة التعاون الوثيق من أجل تحقيق الأمان والنماء لشعبيهما.

طبعا.. نحن لسنا في حاجة اليوم لسرد المحطات التي شهدتها العلاقة بين الطرفين والتي تعقدت مرة ثم انفرجت مرة أخرى لنجيء إلى القول الفصل:

لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن التهديدات الاستفزازية من جانب هذا الطرف أو ذاك لا تأتي بنتيجة واقعية وعملية .. نفس الحال بالنسبة للتصريحات العنترية .. فهذا ليس زمن الحروب.. كما أن القوة تقابلها "قوة" بصرف النظر عن "النسبية" في هذا الصدد..!

لذا.. فقد اختارت مصر في عهد الرئيس السيسي اتباع السياسة الهادئة في التعامل مع موضوع سد النهضة.

نعم إنها لم تهون من آثاره السلبية.. وأيضا لم تهول فيما ينبغي اتخاذه من إجراءات الحل إيمانا منها بأن العلاقات بين الجيران لا سيما الذين يرتبطون بهبة إلهية مشتركة.. يجب أن تظل دائما بعيدة عن أية نزاعات أو صراعات أو حتى توترات.

ولعلنا نلحظ أن الرئيس السيسي كان يركز دوما على ضرورة التفاهم مع إثيوبيا بشأن سد النهضة .. مؤكدا على أن مصر تتفهم أهمية التنمية في إثيوبيا .. لكن أمام هذه التنمية مياه تساوي بالنسبة لنا "حياة أو موت" .

على الجانب المقابل لا ينبغي أن يفوتنا أن أطرافا بعينها حاولت مرارا إشعال نيران الفتنة.. وإثارة المشاعر بين كل آونة وأخرى..

لكن مصر بكل تعقل وحكمة كانت تدرك جيدا أن هؤلاء الذين دأبوا على الاصطياد في المياه العكرة لن يكون لهم دور ولن تتاح لهم الفرصة أبدا للوصول إلى أغراضهم الخبيثة..!

***

استنادا إلى تلك الحقائق جاء الطرفان عند مفترق الطرق ليتوصلا إلى حقيقة مهمة تقول: المنفعة المشتركة أفضل ألف مرة ومرة من أية مشروعات أحادية..!

يعني.. ماذا تستفيد إثيوبيا من إقامة "سد" يمكن ألا تجني من ورائه سوى الأزمات تلو الأزمات وتفقد بسببه "شريكا" فاعلا على خريطة السياسة الدولية والإقليمية..؟!

وهكذا.. تم الاتفاق الصريح والواضح بين مصر وإثيوبيا على إرساء دعائم تعاون شامل في مجالات شتى من بينها .. على سبيل المثال زيادة حجم الاستثمارات المصرية في إثيوبيا.. وإنشاء منطقة صناعية هناك..فضلا عن إقامة مزارع مشتركة حيث تخصص إثيوبيا الأرض.. وتتولى الخبرات المصرية والأيادي العاملة المدربة والماهرة تحويل هذه الأراضي إلى ينابيع للخير هنا وهناك.

***

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر .. فلابد أن نمعن مليا فيما جرى خلال الأيام الماضية بالنسبة لدولة عربية تحاول بشتى الطرق والوسائل أن تحتل مكانا تحت قرص الشمس.. وهي الأردن التي تمر بظروف اقتصادية صعبة اضطرت حكومتها لاتخاذ بعض الإجراءات التي يمكن أن تقيل"البلد" من عثرته..!

لكن .. كالعادة.. قفزت قوى بعينها على السطح وعلى رأسها الإخوان المسلمون لعنهم الله في كل زمان ومكان ومعهم حلفاؤهم الشياطين  وأخذوا في تهييج مشاعر الناس.. وكادت تعم الفوضى لولا التدخل السريع من جانب كلٍ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية .. والكويت .

على الفور انعقدت قمة ثلاثية في مكة المكرمة حضرها "الملك عبد الله" الذي أضيف إلى أعبائه الثقيلة .. هم أزيد وأكبر.. بتدفق مئات الألوف من العراقيين والسوريين والفلسطينيين على بلاده والذين اقتضت الشهامة استضافتهم وتوفير وسائل الحياة المعيشية لهم ولم يكن مقبولا بطبيعة الحال "صدهم" أو غض الأبصار عنهم.

***

لقد تقرر في هذه القمة تقديم حزمة مساعدات اقتصادية للأردن تبلغ قيمتها مليارين و500 مليون دولار تتمثل في وديعة بالبنك المركزي الأردني وضمانات للبنك الدولي لصالح الأردن وتمويل من صناديق التنمية بمشاريع هناك تدر عائدا ماليا إلى جانب دعم سنوي لميزانية الحكومة لمدة خمس سنوات ..

وهنا اسمحوا لي أن أوضح حقيقة بالغة الأهمية .. أرجو أن ننتبه إليها جميعا في الوطن العربي برمته وليس فيما يتعلق بدولة بعينها.. أو شعب في حد ذاته ..

هذه الحقيقة تقول إن العبرة ليست فقط في إنقاذ الأردن من عثرتها بكل هذه السرعة بل هناك جانب آخر وهو إن ثمة أملا غاب طويلا وها هي بشائره قد أخذت تهل علينا الآن.. وأعني أن من يملك الثروة لا ينبغي أن يبخل بها على جار مأزوم أو شقيق بلا موارد .. وبالتالي يصبح الشكر واجبا والتحية لازمة لكلٍ من الملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية والأمير صباح الجابر الأحمد أمير الكويت ومحمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي.

وفي ذات الإطار.. مطلوب من الإخوة الأردنيين .. أن يستثمروا هذه الحزمة الاقتصادية غير المتوقعة في تغيير مسار حياتهم سواء من حيث إقامة المشروعات الإنتاجية .. أو التركيز على نشاط بعينه يمكن أن يتميزوا به عن غيرهم فتتدفق إليهم رؤوس الأموال .. ويصبح سلعة تصديرية يشار إليها بالبنان.. إذ ليس من المستساغ بديهيا .. تكرار مثل تلك المعونة والتي يستحيل أن يرضى أي شعب أن يعيش أسيرا لها مع الأخذ في الاعتبار أننا جميعا نريد الأردن وطنا قويا واعدا .. واحدا.. آمنا .. مستقرا.

***

ولقد شاءت الظروف .. أن تقدم الإنسانية في نفس تلك الآونة.. نموذجا يحتذى.. ومثلا للإصرار والإرادة والتحدي.. سنغافورة .. هذه الجزيرة الصغيرة التي تقع في جنوب شرقي آسيا التي تضم خليطا من البشر بينهم صينيون وملايونيون وهنود والذين عاشوا لفترة طويلة بلا موارد تذكر فلم يكن أمامهم سوى العمل .. والكد.. والتعب ليصلوا بجزيرتهم إلى مرتبة أهم مركز مالي في العالم وتاسع أعلى احتياطي من العملة الصعبة ويصبح جواز السفر الذي يحمله أي منهم صالحا لدخول 167 دولة بدون تأشيرات مسبقة.

ليس هذا فحسب ..بل يزور سنغافورة سنويا خمسة ملايين سائح أي أكثر من عدد السكان..!

يا سلام..!

***

ولعل هذا النموذج الرائع هو ما جذب إلى الجزيرة الصغيرة الانتباه لتصبح ملتقى أخطر وأهم قمة في العصر الحديث وهي قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون والتي أسفرت عن توقيع وثيقة شاملة لم يكن ترامب نفسه يتوقع الانتهاء إليها من خلال المباحثات المشتركة.

لقد نصت الوثيقة على تعهد كيم بنزع كامل للأسلحة النووية وعلى طي صفحة الماضي كما أقر الطرفان بالتعاون لإحلال السلام والرخاء في شبه الجزيرة الكورية .

في النهاية تبقى كلمة:

الدنيا.. لا تقف عند زاوية واحدة ..

والله سبحانه وتعالى خلق الناس ليكونوا شعوبا وقبائل ليتعارفوا .

والعمل .. فضيلة وواجب.. وحق أيضا ومصلحة الفرد والجماعة لا تأتي إلا بمد جسور التفاهم.. والوئام.. والوفاق..!

***

و..و..وشكرا

*****

وأخيرا.. أختتم هذا المقال بتلك الأبيات لأمير الشعراء أحمد شوقي:

من أي عهدٍ في القرى تتدفقُ

وبأي كفٍ في المدائن تغدقُ

ومن السماء نزلت.. أم فجرت

من عليا الجنان جداولا تترقرقُ

وبأي عينٍ أم بأية مُزنةٍ

أم أي طوفان تفيضُ وتفهق

وبأي نولٍ أنت ناسج بردةٍ

للضفتين جديدها لا يخلقُ

تسود ديباجا إذا فارقتها

فإذا حضرت اخضوضر الاستبرقُ

في كل آونةٍ تبدل صبغةً

عجبا وأنت الصابغُ المتألقُ

لو أن مخلوقا يؤله.. لم تكن

لسواك مرتبة الألوهة تخلقُ