*سيناء.. بلا قيود.. أو تصريحات مؤقتة
تخطو خطوات واعدة شأنها شأن بقاع الوطن
*الجبل.. والبحر.. والناس شهود على الجرأة والشجاعة والنصر المبين
*خسارة.. أجيال عديدة ليس لديها فكرة عن ملحمة طابا
زمان.. كان الذهاب إلى سيناء يتطلب استخراج تصريح مؤقت يبين فيه "المواطن المصري" أسباب الزيارة ومدتها..
وبالطبع.. كان الإسرائيليون المتربصون بنا.. يعلمون ذلك جيدا.. بل يعرفون أدق التفصيلات عن تضاريس شبه الجزيرة .. وأهلها.. وأشهر معالمها الجغرافية والتاريخية وبديهي السياحية أيضا..!
في نفس الوقت الذي كان فيه السيناويون يشعرون في قرارة أنفسهم بالغربة عن الوطن الأم.. أو بنوع من التفرقة بينهم وبين إخوانهم وأشقائهم في دلتا مصر أو صعيدها سواء بسواء..!
***
من هنا.. استغل الإسرائيليون كافة الثغرات وكل أوجه القصور في عدوانهم على سيناء وبالتالي احتلالهم لها خلال ساعات محدودة.. ليقايضوا بها فيما بعد بسلام دائم وشامل مع المصريين.
الآن..تخطو سيناء العزيزة خطوات ثابتة وواعدة شأنها شأن كل بقعة من أرجاء الوطن.. لا تفرقة ولا تحيز ولا عنصرية من أي شكل أو نوع.. بل كلنا متلاحمون.. متوحدو الصفوف.. نتكلم لغة واحدة.. ونعزف سيمفونيات مشتركة.
***
منذ أيام.. ذهبت إلى سيناء وبالتحديد جنوب سيناء.. بدعوة من محافظها النشط والهمام اللواء خالد فودة.. ومنذ اللحظة الأولى التي هبطت فيها الطائرة مطار طابا آخر شريط أرض استعدناه ممن تصوروا يوما أن ما استولوا عليه عنوة وقسرا غير قابل لإعادته لأصحابه الشرعيين..!
استشعرت أن هواء نقيا دافئا يحوطني لأستنشقه بدوري في فخار وعزة.. وسعادة ما بعدها سعادة.
الطريق طويل من المطار حتى الفندق الذي نال شهرة واسعة أثناء إجراء المفاوضات لاسترداد طابا.. وهذا الطريق تحده الجبال الشاهقة من الناحيتين.. التي إذا ما تأملت الواحد منها حتى أيقنت أن هذه العزيزة مصر تظل دائما وأبدا عصية على أي غاصب أو محتل.. أو مغامر.. لأنها في الوقت المناسب تهب عن بكرة أبيها لتأديب كل من تجرأ وأراد فرض سطوته.. ليذهب من حيث أتى ذليلا.. مدحورا.. تطارده لعنات الخيبة والعار..!
***
على الجانب المقابل لابد من الاعتراف بأن أجيالا عديدة في مصر لا تعرف شيئا عن ملحمة طابا.. ولا عن الجهد الذي بذل لاستردادها.. بل ربما تفتقد هذه الأجيال المعلومات الأساسية.. حول شبه جزيرة سيناء بصفة عامة.
لذا.. فقد أحسن اللواء خالد فودة صنعا عندما حرص على إقامة الاحتفال بالعيد الثاني والثلاثين لتحرير طابا حتى يكون بمثابة تنشيط للذاكرة.. أو لإطلاق شرارات تهيئ العقول لمعرفة أحداث ووقائع حقبة زمنية من أهم حقبات تاريخ هذا البلد.
***
ثم..ثم.. فإني قد أحسست وأنا أقضي الليل في طابا بأن سلاما يلفني.. وأمنا يغطي جسدي وقلبي.. حتى استيقظت في الصباح ممعن التأمل في الجبل.. والبحر.. والناس.. الذين يتمتعون ببساطة لا تكاد تتوفر لدى غيرهم..!
ومرة أخرى من طابا إلى المطار لنستقل الطائرة إلى شرم الشيخ.. مدينة السلام بل أضيف أنها أيضا مدينة الأمل.. والتفاؤل.. والنور.. والإرادة.. والتحدي..!
المدينة التي يلتقي عندها خليج العقبة مع خليج السويس لتتجلى قدرة الله سبحانه في الخلق والإبداع وليري العالمين أن هذا البلد الأمين له منزلة خاصة عنده سبحانه وتعالى وبصراحة كم وددت أن أمضي في شرم الشيخ عدة أيام أنعم فيها بكل هذه الخيرات التي وهبها لها الله.. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. وإن كنت عاهدت نفسي على ألا أغيب أبدا عن تلك الجنة.. التي هي بلا مبالغة جنة الله في أرضه..
***
أخيرا.. أود أن أخلص من ذلك كله بأن الحركة داخل شبه جزيرة سيناء لا تخضع لقيود من أي نوع.. والتنقل بين مدنها.. مسموح للمصريين جميعا بلا تصاريح.. أو موافقات مسبقة.. أو أخذ ورد أو أي شيء..
وأحسب أن هذا الوضع.. يعمق في نفوس أبناء سيناء معاني الانتماء للوطن أكثر وأكثر ..ويجعلهم أبلغ حرصا على الذود عن ترابه والدفاع عن مقدراته تحت وطأة أي ظرف من الظروف..
ليس هذا فحسب بل إن مشروعات التنمية التي تتمثل في عدد من القلاع الصناعية.. والمدن الجديدة.. والمزارع السمكية وشبكات الطرق الواسعة.. ومحطات تحلية المياه والآبار.. كل تلك المشروعات يسهم في إرساء دعائمها أبناء سيناء جنبا إلى جنب مع إخوانهم وأهليهم في شتى بقاع الوطن..
..ورحم الله عبد الرحمن الأبنودي الذي كتب يوما يقول لسيناء:
تعالي في حضننا الدافي ضمينا وبوسينا يا سينا
مين اللي قال كنتي بعيدة عني.. إنتي اللي ساكنة في سواد النني..
ورحم الله أيضا عبد الحليم حافظ الذي جعل من تلك الكلمات أهازيج وطنية لم يتوقف المصريون عن ترديدها.. على مدى عقود وعقود.. وإن شاء الله لن يتخلفوا أبدا..
***
و..و..وشكرا
***