سمير رجب يكتب خطوط فاصلة وكبسولات بمجلة 7 أيام بتاريخ 23 فبراير 2016

بتاريخ: 24 فبراير 2016
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis


حكايات من قريب .. ومن بعيد عن الأستاذ " هيكل "           
 كان سندا لكل الصحفيين الذين يعملون معه .. والذين لا يعملون
عندما  تضيق علينا أجهزة الأمن الخناق أثناء تغطية الأخبار     
لا نلجأ الا اليه .. 

أنقذ صحيفة المساء من الاغلاق .. وعندما توليت رئاسة تحريرها .. كان أول المهنئين

أنا شخصيا لم أعمل مع الأستاذ هيكل بصوره مباشره .. لكنى اَمنت دائما وأبدا أن الصحفى الذى لم يتخذ منه نبراسا وقدوة .. يتعذر عليه ممارسة حياته المهنية بكفء .. وتمكن ..                                                 
فى البداية .. لا ينكر أحد أن مقاله " بصراحة " لم يسهم فى تشكيل وجدان المصريين فحسب .. بل اعتبر بمثابة
مدرسة صحفية لكل من يحاول تعلم أصول المهنة .. وقواعدها .. وأسسها الثابتة والمحددة ..!!

●●●

من هنا .. لا يكاد يوجد صحفى واحد فى مصر .. الا ولجأ للأستاذ هيكل فى ظرف معين .. أو لحل أزمة ألمت   أو مشكلة أحاطت به فجأه سواء بقصد أو بدون قصد ..!!

فى بداية الستينيات عملت محررا لشئون الطيران فى الجمهورية .. وكانت هذه الحقبة الزمنية مليئة بالأحداث العربية والأفريقية .. ثورات فى الجزائر .. وفى المغرب .. وفى تونس .. وانقلابات متتالية فى سوريا .. وانتقاضات ضد الاحتلال فى الكونغو وغانا وغينيا ... وغيرها ..!! 

وكان مطار القاهرة يشهد وصول زعماء .. أو قاده .. أو من يتم تأهيلهم للزعامة والقيادة ودائما ما تحاط رحلات هؤلاء بالسرية الكاملة .. وطبعا كان الأمن فى عهد الرئيس عبد الناصر ..  مستأسدا .. متجبرا ..يصعب التفاهم مع أى فرد من أفراده وبالتالى .. غالبا ما ترفض الأجهزه اقتراب الصحفيين بمناسبة أو بدون مناسبة ..!!

وبالرغم من التنافس بيننا كمندوبين للصحف اليومية الثلاث فى ذلك الوقت .. ألا أنه عندما كان يشتد بنا ضيق الخناق .. سرعان ما نتصل بالأستاذ هيكل للتخفيف من وطأة الضغط الشديد .. وعلى الفور يتم فتح الأبواب المغلقة ليس لمندوب الأهرام فقط .. ولكن للجميع بلا استثناء ..!!

وفى منتصف السيتينات أيضا .. جاء من يبلغ الرئيس عبد الناصر بأن صحيفة المساء التى تصدر عن مؤسسة دار التحرير التى أنشائها الثوره عام 1953 .. لم تعد تؤدى دورها كما ينبغى أن يكون .. وكالعاده .. انفعل  عبد الناصر وأصدر توجيهاته بضرورة اغلاق الجريدة ..!!

عمت حالة من الذعر بين محررى الجريدة .. الذين استشعروا بأن مصيرهم الشارع .. حتى هداهم تفكيرهم للقاء الأستاذ هيكل وحكوا له الحكاية ..!!

نظر اليهم الأستاذ متسائلا فى دهشة :

  •  هل أنتم متأكدون مما تقولون ..؟؟

وردوا جميعا .. فى نفس واحد : 

  •      نعم

صمت قليلا ثم أردف :

اذن .. اتركوا هذا الموضوع لى .. وبالفعل صرف الرئيس عبد الناصر النظر عن الفكرة ..!!

ثم ....ثم .... تمر السنون والأيام ليصدر قرار بتعيينى رئيسا لتحرير المساء عام 1981 وكم كانت المفاجأه أنه فى اليوم التالى لممارسة مهمتى الجديدة أن تلقيت مكالمة من الأستاذ هيكل ونبرات صوته تبدو من بين ثناياها ابتسامة رقيقة :

أمامك فرصة لا تعوض .. هل تعرف تاريخ المساء .. كيف أنها كانت مهدده يوما بالأغلاق ..

رددت فى احترام وتقدير :

  • نعم .. وان لم أعاصر فى ذلك الوقت حقيقة الظروف .. والملابسات وأيضا الأبعاد .. والخلفيات ..!!

عاد ليستطرد :

  •  ما علينا .. المهم .. ان تختار معك فريقا يتمتع بالكفاءه والحرفية .. وأن تبتعدوا تماما عن تكرار ما ينشر فى الصحف الصباحية .. فلابد .. أن تكون للمساء شخصيتها وهويتها وأسلوبها .....و.....ومتابعاتها الاخبارية ...! ونفذت بكل يقين وقناعة .. نصائح الأستاذ .. حتى أعاننى الله سبحانه وتعالى على القفز بتوزيعها من سته ألاف نسخة يوميا الى 400 ألف نسخة ..!!

●●●

ثم .... ثم ... انقطعت صلتى بالأستاذ هيكل .. طوال السنوات الماضية .. وان كنت دائم السؤال عنه من خلال الراحل العزيز سلامة أحمد سلامة الذى يعد أحد المقربين اليه .. والذى كان ينقل لى أحيانا نقد " الأستاذ " أو اطراءه لمقال كتبته .. أو بعدد من أعداد " الجمهورية " نال اعجابه ..!!

فى النهاية تبقى كلمة :

سبحان من له الدوام ..!!

لقد خلق الله الموت .. والحياة .. ليبلوكم أيكم أحسن عملا .. ولأننا مؤمنون برب العزة والجلال .. فنحن مطمئنون الى أن الأستاذ هيكل بما قدمه من عمل فى حياته سيرقد بأذن الله سبحانه وتعالى بجوار الصديقين والأبرار .. وحسن أولئك رفيقا ...!!

 

" كبسولات "

عاش هيكل صحفيا مرموقا .. ومات صحفيا متألقا ..!!

وتلك سمة العظماء ..!!

●●●

تُرى .. هل يظهر  " هيكل جديد "  ..؟؟

أنا شخصيا أشك .. مثلما لم تظهر أم كلثوم جديدة .. أو نجيب محفوظ جديد ..!!

●●●

بصراحة .. لم أتصور ألا يشارك رئيس الوزراء شريف اسماعيل فى جنازة " الأستاذ "  ومع ذلك فقد كانت جنازة مهيبة ... ومهيبة جدا ..!!

●●●

مره ذهبت للدكتور على هيكل .. لأجرى كشفا طبيا .. فما كان منه الا أن رفض تماما .. تقاضى         
" الفيزيته " قائلا : علمنى أبى أن أتعامل مع أى صحفى على أنه أخى أو والدى ..!!

●●●

كل فلاح فى قرية برقاش سيفتقد الأستاذ هيكل .. فبين جنبات هذه القرية كان يمضى أفضل أوقاته مستمعا باهتمام وشغف للصغير والكبير من أبنائها ●●●