سمير رجب يكتب مقاله " خيوط الميزان " بجريدة الجمهورية بعنوان " قناة السويس .. أيقونة الماضي .. ومعجزة الحاضر.. ودرة المستقبل"

بتاريخ: 18 أغسطس 2018
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis

*تقرير سياسي عن أحداث الساعة

*قناة السويس .. أيقونة الماضي .. ومعجزة الحاضر.. ودرة المستقبل

*في سبيلها مات الأجداد.. وبسببها تعرضت أجيال وأجيال للتنكيل والضرب..و"التهجير"!

*رسخت في الأعماق معاني التضحية والذود عن الحقوق.. مهما بلغ الثمن

*"يا مصريين" .. حقا ما أروعكم..!

*واجهوا لهيب الأسعار في المصايف بإعادة اكتشاف "نهرهم الخالد"!

*اتخذوا من كباريه.. وشواطئه .. منافذ لاستنشاق أنقى الهواء!

*قالوا: يكفينا.. أننا نذهب إلى مقار أعمالنا في الصباح عكس غيرنا الذين حولوا ليلهم إلى نهار والنهار إلى ليل..!

*في إيران .. قدس الأقداس تطاله سهام الهجوم.. ولا يصدق نفسه!!

*تركيا تدخل دائرة غضب أمريكا.. والليرة تتهاوى .. وأردوغان يعاند .. لكن إلى متى..؟

*رسالة السعودية للعالم: من يتدخل في شئون غيره .. لن يفلت من العقاب

قناة السويس بالنسبة للمصريين.. ليست فحسب أثرا كآثار الفراعنة.. وليست تراثا يلقى الإجلال والاحترام من قبل الجماهير .. لكنها أيضا .. ليست مجرد " إرث" يتناقله الأجيال جيلا بعد جيل .

إن قناة السويس بالذات تمثل ملحمة بطولية شعبية منذ أن كان حفرها مجرد فكرة .. يبدو تنفيذها صعبا وعسيرا قبل أن يمنح حاكم مصر محمد سعيد باشا رجل الأعمال الفرنسي فردناند ديلسيبس امتياز حفر القناة ثم امتياز تشغيلها لمدة99 عاما.

نشأنا جميعا والذين قبلنا وقبل قبلنا على أن لدينا شيئا ثمينا .. قدمنا في سبيله أغلى التضحيات وبعد ذلك سطا عليه غيرنا..!

استمر هذا الإحساس المرير حتى تم تحرير القناة على يد جمال عبد الناصر.

ثم.. ثم.. جاء النصر الأكبر للمصريين عندما فجر فيهم الرئيس عبد الفتاح السيسي مشاعل إصرارهم .. وإرادتهم .. وإمكاناتهم .. وطاقاتهم لينشئوا قناة جديدة خرجت للحياة في غضون عام واحد وكأننا جميعا آثرنا أن نقول للدنيا بأسرها إن مصر تبقى دائما وأبدا.. بإذن الله وفضله .. رمزا.. وقيمة .. ومعنى.

هكذا فإن قناة السويس تمثل أيقونة الماضي ومعجزة الحاضر ودرة المستقبل.

***

لقد دارت عجلة الزمن بسرعة

.. وها هي سنوات ثلاث تمر على بداية تشغيل القناة الجديدة التي أقمناها بأيادينا .. وعقولنا..  وأموالنا لتحقق –كما قال الفريق إيهاب ممش- دخلا قدره ثمانية مليارات و150مليونا خلال الثلاث سنوات الماضية .

طبعا.. أنا لن أعيد هنا ذكر معلومات مكررة .. لكني أود أن أسترجع معكم مشاعر الفخر والإعزاز التي تغمرنا يوما بعد يوم والتي ترسخ في الأعماق أن التضحيات لا يقدر عليها سوى أبنائها.. والحقوق لا تعود لأصحابها إلا بالعزيمة.. والإصرار .. والصبر اللامحدود.

وبصرف النظر عن التاريخ البعيد رغم تقديرنا البالغ لأحداثه ووقائعه .. إلا أن تحرير القناة أدى من بين ما أدى إلى وقوع أخس وأنذل عدوان تمثل في التنكيل ببني الوطن .. وضربهم..و..وتهجيرهم من مدنهم وبيوتهم .. لكن في النهاية .. جاء نصر الله .. ودحرنا هذا العدوان الذي قامت به كلٌ من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل  دحرا.. ليرحلوا وهم يجرون أذيال الخيبة والعار والندم.

 من هنا لابد أن نزداد زهوا فوق زهو بعد أن رأينا بعيوننا المياه تتدفق في القناة الجديدة..والسفن العملاقة وهي تعبرها في تحدٍ بل وربما في حسد.. وبالتالي عندما يجيء من يشكك في هذا الإنجاز الهائل.. فإنه يستحق الضرب فوق أم رأسه عسى أن يفيق .. وإن كنت أنا شخصيا أرى أن من فقد عقله مرة يستحيل أن يسترده بعدها.!

***

بصراحة.. هذا الشعب نادر الوجود .. ولسنا نحن الذين نقول ذلك بل الله سبحانه وتعالى هو الذي ذكر مصر في مواقع شتى:

بسم الله الرحمن الرحيم: "وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين".

بسم الله الرحمن الرحيم: " فلما دخلوا على يوسف آوى إلى أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين". صدق الله العظيم.

***

هؤلاء المصريون يثبتون مع بزوغ فجر كل صباح أنهم قادرون على صنع الحضارة.. واستثمارها .. والحفاظ عليها .

ولقد توقفت ليلة أول أمس مشدوها وأنا أرى فوق كوبري قصر النيل وكوبري الجلاء وطريق الكورنيش المئات الذين قرروا بينهم وبين أنفسهم أن يتخذوا من نهرهم الخالد الذي يعتزون به ويعتز بهم وسيلة لقضاء صيف ممتع واستنشاق هواء نظيف.

التقيت ببعضهم الذين أجمعوا على أن لهيب الأسعار الذي تشهده المصايف التقليدية دفعهم إلى مقاطعتها واللجوء إلى نهر النيل مؤكدين على أنهم يستمتعون بلياليهم خير ما يكون الاستمتاع.

ويكفي أنهم يذهبون .. إلى مقار أعمالهم في الصباح.. عكس الذين تحولوا إلى عاطلين بالوراثة حيث يسهرون الليل كله .. وينامون النهار كله..!

ثم..ثم.. دعونا من خلال هذا التقرير .. نعبر الحدود لنرقب ونحلل ماذا يجري.. وماذا يحدث.. وكيف تدفع شعوب لا ناقة لها ولا جمل ثمن أخطاء وخطايا حكامها..!

ها هم الإيرانيون -على سبيل المثال- يعيشون أحلك أيام وشهور وسني حياتهم.. فلا أمن.. ولا استقرار ..ولا أمان.. ولا وظائف .. ولا ولا .."دولار واحد" في خزينة الدولة..!

الأكثر .. والأكثر أنه لأول مرة منذ قيام ما أسموها بالثورة الإسلامية تصل المظاهرات الغاضبة إلى المدينة المقدسة "قم" لتطال من اعتبر نفسه قدس الأقداس أو المرشد العام على خامنئي الذي لم يتوقع أبدا أن يكون هدفا للشتائم بأقذع العبارات ..!

سبحان مغير الأحوال!!

بالله عليهم.. وهم الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين.. ألم يتوقعوا أن يأتي اليوم الذي يسددون فيه ثمن ما ارتكبوه من أعمال دنيئة وخسيسة  تجاه الآخرين ..؟!

لقد تناسوا قول الحق سبحانه وتعالى: " ولا تحسبن الله غافلا عما يفعل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء". صدق الله العظيم.

الأغرب .. والأغرب.. أنهم مازالوا يكابرون .. ويتشنجون .. ويصدرون البيانات العنترية..

إنها قمة الغباء السياسي..!!

***

نفس الحال بالنسبة للوالي العثماني الجديد.. رجب طيب أردوغان الذي توهم هو الآخر.. أن حليفه الأمريكي يمكن أن يفرط في مصلحته من أجل عيون "الأتراك" الأصدقاء..أو من كانوا أصدقاء!

وعندما حانت ساعة الجد.. إذا بالإجراءات إياها تتوالى .. تجميد أموال وزيري العدل والداخلية ووضع اسميهما على قوائم الترقب في المطارات الأمريكية الأمر الذي لم يعجب أردوغان فحدث ما حدث..!

الآن.. الليرة التركية هبطت إلى أدنى مستوياتها يعني في طريقها لتصبح مثل الريال الإيراني الذي وصل للحضيض..!

ليس هذا فحسب .. بل بدأ الاقتصاد التركي يترنح بعد تهديد أمريكا بإلغاء الإعفاءات الجمركية المقدمة لأنقرة.. وهذه يا أخ أردوغان .. نتيجة اللعب مع الكبار.. أو نتيجة السياسة الحمقاء التي يضع صاحبها نفسه في زاوية ضيقة يتعذر عليه الخروج منها في الوقت المناسب..!!

***

أما المملكة العربية السعودية.. فالموقف مختلف.

لقد بعثت –والحق يقال- برسالة للعالم مؤداها أن من يتجرأ ويتدخل في شئون الآخرين .. فلن يفلت من العقاب.

وطبعا الحكاية معروفة حيث أعلنت وزارة الخارجية الكندية أنها تشعر بالقلق البالغ عما أسمته بالاعتقالات الإضافية لنشطاء المجتمع المدني وحقوق المرأة في السعودية وبينهم " سمر بدوي" .. الأمر الذي اعتبرته المملكة تدخلا سافرا في شئونها .. وبادرت على الفور بطرد السفير الكندي واستدعاء سفيرها في أوتاوا.. كما هددت بتجميد العلاقات الاقتصادية والسياسية بصورة كاملة..!

وكان لابد أن ينزعج الكنديون الذين يستمتعون بالاستثمارات السعودية الضخمة لاسيما وأن أطرافا عديدة انضمت إلى السعودية في موقفها.

***

 في النهاية تبقى كلمة:

هكذا يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن للسياسة رجالاتها في كل زمان ومكان لكن المشكلة فيمن يفهم.. ومن يتعلم.. ومن يضع مصلحة الناس قبل أية مصلحة شخصية.. أو نزعة ذاتية.. لكنها طبيعة البشر .. صغروا .. أم كبروا.. وسواء احتلوا مراكز الصدارة .. أو بقوا في صفوف العامة..!!

***

و..و..وشكرا..

وأخيرا اخترت لك هذه الأبيات للشاعرة العراقية بلقيس حميد:

أنا لست في حاجة إلى المال

لكني أحتاج مشاعر وأحاسيس

أحتاج كلمات مختارة بعناية

أحتاج زهورا يسمونها أفكارا

أحتاج أغنيات ترقص لها التماثيل

ونجوما تهمس في آذان العشاق

أحتاج شعرا .. هذا السحر الذي يحرق ثقل الكلام

هذا الشعر الذي يوقظ المشاعر