سمير رجب يكتب مقاله " غدا مساء جديد " بجريدة المساء بعنوان " ظاهرة اجتماعية بدأت في مصر منذ عصر الفاطميين.. حتي الآن"

بتاريخ: 19 أغسطس 2018
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis

* ظاهرة اجتماعية بدأت في مصر منذ عصر الفاطميين.. حتي الآن
* أبناء الفقراء والأغنياء.. وبينهم متوسطو الدخل.. يجدون فيها سعادتهم
* لا تصدق من يزعمون أن الطبقة الوسطي اختفت
بالعكس.. طموحاتها تتزايد.. واستثمارها لملكات ومواهب أفرادها.. ينمو يوما بعد يوم
* بديهي أحداث 15 يناير وحكم الإخوان الإرهابيين وراء ما حدث من تغير في التركيبة الاجتماعية ولكن:
الآن مسيرة المجتمع تعود إلي الاتجاهات الصحيحة

العيد فرحة.. ليس في هذا شك.
ولقد خلق الله سبحانه وتعالي الأعياد.. لكي يتآلف الناس.. ويتعاطفوا مع بعضهم البعض.. ويصلوا أرحامهم .. ثم.. ثم.. يقدمون الشكر له سبحانه وتعالي علي ما منحهم من خيرات وخير.. مثل فضل الصيام في شهر رمضان الذي ينتهي بعيد الفطر.. وفضل الأضحية.. والتسليم بقضاء الله.. مثلما فعل أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام مع ابنه إسماعيل لتصبح "فديته بذبح عظيم" عيداً للبشرية جمعاء..!
وللعيد.. مظاهر .. وطقوس.. واحتفالات .. ولعل أهم تلك المظاهر "العيدية"..التي يتناقلها الناس جيلاً بعد جيل.. وربما أنت وأنا مازلنا نتذكر حتي اليوم.. كيف كنا نستيقظ في الصباح الباكر انتظاراً للحظة التي يأتي فيها "الوالد" ليربت علي ظهورنا.. ومعه ما أفاض به الله عليه وعلينا..!
***
والعيدية.. نشأت في مصر منذ زمن طويل وتحديداً منذ عصر الفاطميين.. لأنها في حقيقة الأمر تعني العطاء.. أو العطف.. وبالفعل كان الفاطميون يوزعون النقود والثياب علي الرجال والنساء والأطفال بهدف التوسعة عليهم في أهم مناسبتين دينيتين وهما عيد الفطر وعيد الأضحي.. وعندما تولي المماليك حكم مصر.. لم يتخلوا عن تلك العادة بل قاموا بتطويرها وبدلاً من النقود والملابس.. أصبحت دنانير الذهب هي المكافأة المنتظرة لاسيما أنها كانت توزع علي الأمراء.. ثم وجدها الأتراك فيما بعد فرصة لإسعاد الأطفال دون غيرهم الذين نالوا جراء ذلك الهدايا الثمينة.. والعملات التذكارية النادرة..!
***
والآن.. ورغم مرور السنين والشهور والأيام. فالمصريون عن بكرة أبيهم مازالوا حريصين علي تبادل "العيديات" بين بعضهم البعض..!
طبعاً اختلفت القيمة.. وتباينت الأشكال.. لكن في النهاية تعم البهجة الجميع بصرف النظر عن هوية من يعطي.. ونوعية من يأخذ..!
من هنا.. يثور السؤال الذي يدق الرءوس بعنف:
x هل الطبقة المتوسطة التي تمثل النسبة الأغلب.. مازال أفرادها قادرين علي تحمل التبعات الموسمية الاستثنائية مثلما يحدث علي مر العصور.. أم أن تلك الطبقة ذابت واختفت.. وبالتالي أصبحت العيدية تمثل عبئا علي الآباء.. وأرباب الأسر..؟!
دعوني أصارحكم القول.. إن الزعم أن الطبقة الوسطي قد التهمتها ماكينة الإصلاح الاقتصادي وما صاحبه من ارتفاع في الأسعار.. إنما هو زعم خاطئ بكل المقاييس..!
بالعكس.. الطبقة الوسطي.. طموحاتها تتزايد.. واستثمارها لملكات ومواهب أبنائها ينمو يوماً بعد يوم.
نعم.. لقد دفعت هذه الطبقة ثمن التغيرات التي طرأت علي البلاد وأثرت تلقائياً في التركيبة الاجتماعية.. هذه التغيرات التي تمثلت في أحداث 15 يناير عام 2011 وما تبعها من اختطاف عصابة الإخوان المسلمين للحكم والتي تسببت في انفلات أمني غير مسبوق.. مما أدي إلي أعمال سرقة.. ونهب.. واعتداء صارخ علي الممتلكات والأموال.. كل ذلك سحب الكثير.. والكثير من رصيد الطبقة المتوسطة.
وبعد أن أخذت مصر تتعافي يوماً بعد يوم بداية من عام 2013 سرعان ما عادت الروح إلي الطبقة المتوسطة.. التي شجعت وساندت شأنها شأن غيرها من فئات المجتمع برامج الإصلاح الاقتصادي بتبعاته الإيجابية والسلبية إيماناً منها.. بأن الغد سوف يكون أفضل وأفضل كثيراً.. 
ليس هذا فحسب.. بل في ظل مناخ الأمن والاستقرار الذي يعم أرجاء الوطن.. وفي ظل هذه المشروعات العملاقة التي تعلو صروحها يوماً بعد يوم.. ازدادت ثقة الطبقة المتوسطة بقوة وتكاتف سواعد بنيها واتقاد عقولهم وبالتالي أصبحت دوائر الأحلام أوسع.. وازداد اليقين يقينا.. بأن العمل والإنتاج هما السبيل إلي بلوغ أسمي الغايات.
وباعتبار أنها تتشكل غالباً من موظفي الحكومة وقطاع الأعمال العام ومعهم نظراؤهم من القطاع الخاص.. والرأسمالية الوطنية.. فقد أصبح الطريق أكثر تمهيداً بطبيعة الحال.. لتعود مسيرة المجتمع إلي الاتجاهات الصحيحة وذلك في حد ذاته مكسب كبير.. وكبير جداً.

***
في النهاية تبقي كلمة:
إذا كان الشيء بالشيء يذكر .. فقد جاءتني عزيزتي " جودي" أصغر حفيداتي لتسألني في براءة عن العيدية.. فأجبتها.. العيد لم يحل بعد.. ردت في لهجة شقية:
أعرف ذلك لكني أريدك تحديد موقفك من الآن ..!
ضحكت كثيراً.. وقلت لـ"جودي":
مائة جنيه..!
تركتني وهرعت تشكو لأمها:
تصوري "بابا سمير" .. يريد أن يعطيني 5 دولارات "عيدية"..! 
وصمت وقلت في نفسي رحم الله أيام زمان.. عندما كانت الخمسة تعريفة التي يمنحني والدي إياها في العيدين بمثابة كنز من السماء..!
"للعلم": الخمسة تعريفة تساوي قرشين ونصف القرش والقرش يتكون من عشرة مليمات.. وطبعا كلها عملات لم يعد لها وجود الآن..!!