*أغلى..وأعمق.. أشكال ومظاهر الوحدة
وقفة عرفات.. اليوم
*كم نتمنى أن تأتي الأعياد القادمة وقد جفت الدماء.. وتوحدت الأوطان
*ثم..ثم.. حمدا لله وشكرا على ما أنعم به على هذا البلد الطيب العزيز
اليوم.. يقف ملايين المسلمين من شتى بقاع الأرض فوق جبل عرفات .. يكبرون .. ويهللون .. ويدعون الله سبحانه وتعالى أن يهيئ لهم من أمرهم رشدا وأن يرزقهم حسن ثواب الدنيا ونعيم الآخرة.
والله سبحانه وتعالى – كما نعرف جميعا- عندما فرض الحج.. وحدد يوم وقفة عرفات .. فإنما كان الهدف- الذي ضمن أهداف عديدة- أن يتوحد الناس.. وأن يرسخوا فيما بينهم مبادئ المساواة .. وأن يتكاتفوا .. وأن يوقنوا حق اليقين.. أن هذه الحياة ليست سوى محطة مؤقتة وأن كل من عليها فان ليبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام .
هذه المحطة هي التي تقود إلى دار الجزاء الأوفى التي يسود فيها العدل كما ينبغي أن يكون.. وترتفع رايات الإنصاف حينما يصبح جميع البشر بين يديّ الواحد الأحد الذي لا يظلم مثقال ذرة .
***
من هنا.. فالسؤال الذي يثور:
هل يضع المسلمون سواء الذين يقفون اليوم فوق جبل عرفات أو الذين شاء الله سبحانه وتعالى ألا يوفر لهم هذه الفرصة الغالية .. تلك الحقائق في اعتبارهم.. يتفهمون معانيها بعمق.. ويتدبرون أبعادها وأسرارها .. ومكنوناتها..؟
قبل أن أجيب عن السؤال.. أقدم لك هذه الأبيات الشعرية التي نظمها شاعر عربي يعيش الواقع شأنه شأن غيره ممن ينامون ويستيقظون دون أن يدروا من أحوالهم شيئا .
يقول الشاعر: لو أن لبس جديد الثوب عن فرح ما كنت لابسه لولا التقاليد
يا عيد لا تطلب الأفراح في زمن
هاجت وماجت به أيامنا السود
ما العيد إلا لقلب بات منتشيا..إذا أراد اللقا.. لبت مواعيد
واخضر غصن الهوى في قلبه ونما
وقد تدلت بجنبيه العناقيد
وإن أتيت لقومي كي تفرحهم
فدون قصدك اشكال وتعقيد
أما علمت بأن العرب قد وهنوا
ودب بينهم خوف وتهديد
تدججوا بسلاح القول واعتنقوا
حرب الكلام وبأس العزم مفقود
إنها أبيات معبرة ولا شك ..ولعل الشاعر نظم قصيدته وهو يتابع ما يجري في أرض فلسطين المحتلة وفي سوريا.. وفي العراق.. وفي اليمن.. وفي الصومال وفي ليبيا ..وغيرها .. وغيرها..!
بالفعل.. ما قيمة العيد.. بينما الرجال والنساء والأطفال يذبحون .. ويقتلون سواء على أيدي من يفترض أنهم حماتهم.. أو بفعل الأجنبي .. الماكر الذي انتهز فرصة الانقسام والتمزق ليقتنص الغنيمة.. أو الكعكة كما يريدون أن يسموها ..؟
وإذا كانت وقفة عيد الأضحى التي تصادف اليوم.. قصد بها الله سبحانه وتعالى غرس جذور الوئام والوفاق والمحبة .. فهل عرف المتاجرون بالدين والذين أعطوا لأنفسهم حق إزهاق أرواح الآخرين ..أن الواحد الأحد يرقب ويحاسب .. ولن يفلت من حسابه أي معتدٍ أثيم..؟؟
***
في جميع الأحوال.. فإن الله سبحانه وتعالى يعد عباده المخلصين بالاستجابة إلى دعائهم لاسيما في يوم عرفة الذي قال عنه الرسول الكريم :
"خير الدعاء هو يوم عرفة.. وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد.. وهو على كل شيء قدير".
وها هي الحناجر تردد اليوم دعاء النبي مرات .. ومرات عسى أن يثبّت سبحانه وتعالى أقدامهم.. ويحقق لهم ولذويهم وأهلهم وأحبائهم وأقربائهم النصر المبين وأن تعود الأوطان ..موحدة... غير ممزقة .. وأن تجف الدماء الطاهرة.. وأن ترتفع ألوية الحق.. والأمن .. والسلام..!
***
على المستوى الشخصي .. فإن القلب يهفو.. كلما حان وقت الحج.. فقد تعودت بفضل الله سبحانه وتعالى أن أنضم إلى قوافل الحجيج مرات .. ومرات .. وفي كل مرة.. يتسلل إلى فؤادي .. إيمان ويقين.. بأنها لن تكون الأخيرة في حياتي.. بل سيهبني إياها الله سبحانه وتعالى.. أعواما كثيرة وبالفعل يتحقق الأمل وتترسخ العقيدة أكثر.. وأكثر ..!
***
ثم.. ثم.. شاءت إرادة الملك القدوس.. ألا أكون من بين الواقفين على جبل عرفات طوال الأربعة أعوام الماضية.. ومع ذلك فلدي إحساس بأن الله سوف يمد في عمري لأنعم في العام القادم بإذنه تعالى بالطواف ببيته العتيق والسعي بين الصفا والمروة .. والفيض
إلى المزدلفة ..
كذلك.. زيارة مسجد سيد الخلق أجمعين الذي وصفه صاحبه بأنه الذي أسس على التقوى .. وهو المسجد الذي تُشد إليه الرحال بعد المسجد الحرام والمسجد الأقصى وهو الذي يحتضن الروضة المباركة التي يقول فيها عليه الصلاة والسلام :"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي".
***
في النهاية تبقى كلمة:
دعواتي لحجاج بيت الله الحرام.. أن يكون حجهم مبرورا.. وذنبهم مغفورا.. وأن يعودوا إلى ديارهم سالمين غانمين.
وحمدا لله وشكرا على أن حقق لهذا البلد الطيب مصر العزيزة الأمن .. والسلام .. والخير و..و..والنصر على الطغاة .. الكفرة .. المكذبين بالدين..
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.