* كلما زاد الجهل.. ارتفعت نسبة استخدام المحمول.. أليست تلك قمة التناقض..؟!
* شركات التليفونات تركز همها علي جمع الأموال دون أن تحاول دراسة الظواهر الطارئة وغير الطارئة
* وكيف يستطيع ستة ملايين من هؤلاء استخدام “الإنترنت” وهم لا يعرفون الفرق.. بين “كان.. وإن” ؟!
* ثم.. ثم.. أين قانون الخدمة العامة..؟!
مشكلة الأمية في مصر طالما وقفت حائلا دون طموحاتنا وأحلامنا منذ قديم الأزل.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو عام 1952 أعلنت أن من بين أهدافها.. القضاء علي الأمية في مصر.. ووقتها سمعنا كلاما كثيرا حول الفارق الكبير بين الشعب الذي يعلم والشعب الذي لا يعلم.. وأشياء أخري من هذا القبيل.
وقد حاولنا -والحق يقال- التعامل مع تلك المشكلة غير الحضارية من خلال إنشاء ما تسمي بـ “الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار” برئاسة رئيس الوزراء أو من ينيبه.. وطبعا لم يجتمع مجلس إدارة الهيئة سوي مرات معدودة.. لتظل المشكلة تؤرق مضاجعنا.. دون أن ندرك.. أنها أولا وأخيرا تمثل سُبّة في جبين كل واحد فينا..!
***
لذا.. فقد صدمني التقرير الذي أصدره بالأمس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والذي أعلن فيه صراحة أن عدد الأميين في مصر وصل عام 2017 إلي 18 مليونا و400 ألف شخص رغم أن هذا العدد كان عام 2006 17مليونا!!
يعني الأزمة – يا سادة – تتفاقم بينما المفروض أن يحدث العكس لاسيما في ظل زيادة الوعي.. وسعي الناس علي اختلاف مستوياتهم للوصول إلي ما هو أفضل وأحسن..!
ثم.. ثم.. تجيء الطامة الكبري من خلال المعلومة التي ذكرها لنا جهاز التعبئة العامة والإحصاء والتي تقول إن 55% من الذكور الأميين يستخدمون المحمول مقابل 35% من الإناث..!
بالله عليكم ماذا يعني ذلك..؟!
هل وجد من لا يقرأون ولا يكتبون.. في “الموبايل” غايتهم الكبري بحيث يستطيعون عن طريقه إنهاء شئون حياتهم بلا عناء.. أم العكس هو الصحيح حيث يعوضون “جهلهم” بـ “الرغي” الذي لا يسمن ولا يغني من جوع..؟!
***
علي أي حال وبعيداً عن التكهنات والتخمينات فإن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لا ينبغي أن يمر أبدا مرور الكرام.
إنه يجب أن يخضع لدراسات متأنية وأبحاث علمية مستفيضة.. وإلا فما جدوي هذا الجهاز من الأساس إذن..؟!
تلك الدراسات تقوم بها شركات المحمول الأربع التي تحقق أرباحاً خيالية دون أن تهتم بمصالح الجماهير..
هذه الشركات يلقي علي عاتقها معرفة نوعيات المتعاملين معها من حيث العمر والمهنة ودرجة التعليم..و.. و.. أيضا.. أين دور الجامعات وأقسام البحث العلمي بها..؟!
بل أين دور المركز القومي للبحوث الاجتماعية الذي هو الآخر لا ندري عنه شيئا..؟!
***
الأهم.. والأهم بالنسبة للأزمة الأساسية أزمة الأمية فإن السؤال التلقائي:
وماذا بعد؟؟
بالله علينا هل يليق أن يكون بيننا ونحن الذين صنعنا التقدم في شتي مجالات الحياة.. ومازلنا نفتح الأفاق أمام الأجيال المتعاقبة ما يزيد علي 18 مليوناً لا يعرفون القراءة والكتابة..؟!
طبعا أسباب الظاهرة متعددة ونحن نعرفها جميعا.. لكن ألا تستلزم الجدية البحث عن حلول واقعية وعملية..؟!
لقد أشار جهاز التعبئة العامة والإحصاء إلي أن من أهم الأسباب.. التسرب من التعليم وليس من المنطق في شيء ألا تضع خطة التطوير المأمولة في اعتبارها كيفية الخلاص من هذا الكابوس الثقيل الذي يقف حائلا أمام أي “ومضة ” تغيير.. أو تحديث..!
التلاميذ يحجمون عن الذهاب للمدارس بسبب الظروف الاقتصادية.. هذه حقيقة لا تقبل الجدل أو المناقشة .
لكن بعد الإجراءات التي تتخذها الدولة لتوفير حد أدني من الدخل للأسر الفقيرة.. أو الأقل من الفقيرة.. أحسب أن مثل تلك الحجة لم تعد بنفس الحدة السابقة..!
أيضا لدينا ما يسمي بقانون الخدمة العامة.. هذا القانون الذي يفرض علي خريجات الجامعة التفرغ علي مدي عام كامل لتعليم الكبار.. فأين هو الآن..؟!
هل تطبقه وزارة التضامن الاجتماعي.. أم طوته ملفات النسيان..؟!
وأشياء أخري كثيرة لابد أن تنتهي إلي نتيجة واحدة تخلص في ضرورة قضائنا علي الأمية قضاء مبرما.. الأمر الذي يستلزم تكاتف الجميع.. حكومة.. وأفراداً.. ومؤسسات مجتمع مدني.. ورجال أعمال..و..و..!
***
في النهاية تبقي كلمة:
لا أعرف ما إذا كان هذا يسعدنا أم لا..
فقد تبين أن نسبة من يستخدمون الحاسب الآلي والإنترنت من الأميين تبلغ3%..؟!
يعني.. القدرة علي التحدي متغلغلة في نفوسنا.. ومحاولات اقتحام الصعب لا تتوقف رغم ما يعترضها من صعوبات وعقبات.
ومع ذلك.. فإن التناقضات تجعلنا نقف حائرين لا نكاد نستطيع التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود.
نحن لم نفقد أبدا مشاعر وأحاسيس التفاؤل ولعل هذا ما يزيدنا إصرارا علي مواجهة التحديات وبالتالي نأمل.. ونأمل أن ندحر آفة الأمية كما دحرنا آفات عديدة أخري .
ولله الأمر من قبل ومن بعد.