سمير رجب يكتب مقاله " بجريدة الشوري " بعنوان " بمناسبة مرور 48 عاما على رحيل مفجر ثورة 23 يوليو "

بتاريخ: 23 سبتمبر 2018
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis

*بمناسبة مرور 48 عاما على رحيل مفجر ثورة 23 يوليو

*كنت شاهدا على الدقائق الأخيرة لوفاة جمال عبد الناصر

*ألقى برأسه على كتف أمير الكويت ولم يستطع الانتظار حتى صعوده الطائرة

*تداول الناس الخبر همسا خشية حدوث ما لا يحمد عقباه..!

*هيكل أراد الانفراد ببعض التفصيلات للأهرام..لكن من رأي غير من سمع

*هل أخطأ الأطباء..أم قدر الله كان أسرع؟

*كيف أثرت هزيمة يونيو على حياة "الزعيم" وهل المظاهرات العارمة كانت بتدبير من الأجهزة والاتحاد الاشتراكي؟

====

 

يوم الجمعة القادم تحل الذكرى الثامنة والأربعون على وفاة جمال عبد الناصر مفجر ثورة 23 يوليو وهي الثورة التي غيرت-بحق – شتى أوجه الحياة في مصر..بل امتد تأثيرها أيضا إلى العالم العربي ..والقارة الإفريقية.. وأيضا آسيا..وأمريكا..اللاتينية .

وبالرغم من الفترة الطويلة التي مضت على يوم الرحيل يوم 28سبتمبر عام 1970 فإن حقائق كثيرة لم تنشر حتى الآن .. بل مازالت الملفات العديدة تخفي كثيرا من الأسرار .

***

في أوائل عام 1960 اختارتني جريدة الجمهورية لكي أكون محررا للطيران بها ومندوبا لها في مطار القاهرة يومها التقى بي المرحوم الكاتب الروائي الشهير سعد الدين وهبة وكان يشغل منصب مدير التحرير المشرف على الأقسام الإخبارية .

قال لي الأستاذ سعد بالحرف الواحد:

لقد اخترناك لهذا العمل تقديرا لنشاطك وحرفيتك واحترامك لأصول وقواعد المهنة.

صمت برهة ثم أضاف:

لذا..أرجو أن تعلم أن وجودك في المطار سيجعل منك محررا اقتصاديا ودبلوماسيا وسياسيا .. فحاول أن تستفيد بقدر الإمكان من موقعك الجديد.

بالفعل نفذت توجيهات سعد وهبة بحذافيرها ..وقد نجحت منذ أن بدأت في ممارسة مهمتي الصحفية في تحقيق العديد من الانفرادات كما خضت كثيرا من المعارك الصحفية سوف يأتي ذكرها لاحقا..!

***

المهم ..حل خريف عام 1970 والعالم العربي يمر بأحلك أزماته..حيث احتدمت المعارك في الأردن بين كلٍ من الأردنيين والفلسطينيين..بينما الآخرون آثروا الابتعاد.

وبحكم قومية عبدالناصر..وحرصه على إقامة كيان عربي موحد وقوي .. بادر بالدعوة لعقد مؤتمر قمة يوم 17 سبتمبر في نفس العام.

وجاء المتناحرون إلى القاهرة  وعلى رأسهم كلٌ من ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والملك حسين ملك الأردن.. انعقدت القمة في فندق هيلتون بالقاهرة .. وبذل عبد الناصر جهدا مستميتا لتنقية الأجواء بين الفريقين..وكم من مرة هدد بالانسحاب ..وليتحمل من يتحمل المسئولية..ثم.. ثم..تحقق النجاح للمؤتمر ..وأصدر في اليوم الثاني أي يوم 18 ستبمبر قرارات بالغة الأهمية هي:

Xالإنهاء الفوري لجميع العمليات العسكرية من جانب القوات المسلحة الأردنية وقوات المقاومة الفلسطينية.

Xإطلاق سراح المعتقلين من الجانبين.

وشهد المؤتمر مصافحة علنية بين عرفات وحسين..وهنا هدأت أعصاب عبد الناصر قليلا.. ولكن –كما قالت المصادر- لم يذق للنوم طعما..فقد كان يروح ويجيء في الغرفة حتى طلع الصباح وبدأت مراسم وداع الملوك والرؤساء الذين شاركوا في اجتماع القمة.

ظل الرئيس طوال اليوم في مطار القاهرة..يدخن بشراهة –كالعادة- ويحتسي القهوة ..وعندما سألوه عما إذا كان سيتناول طعام الغداء في استراحته بالمطار أم في المنزل.. رد بالحرف الواحد :

أنتم تعرفون بأني لا أتغدى إلا مع الأولاد.. !

***

وعندما دقت الساعة الواحدة بعد الظهر جاء موعد رحيل أمير الكويت صباح السالم الصباح..وللأسف موعد رحيل عبد الناصر أيضا..!

رافق الرئيس .. الأمير من مبنى استراحة القاعة في مطار القاهرة حتى الموقف  رقم 10 وهو الموقف المخصص لطائرات الرؤساء حيث أصر الرئيس أن يذهبا سيرا على الأقدام كنوع من المجاملة والحميمية..!

ما أن وصل الزعيمان إلى سلم الطائرة حتى بدا الإعياء الشديد على جمال عبد الناصر لدرجة أنه استدعى أحد مساعديه طالبا تجهيز سيارة بسرعة..!

صافح أمير الكويت جمال عبد الناصر الذي ارتمى بكتفه فوق رأسه ولم يستطع الانتظار

حتى صعوده الطائرة وفقا للبروتوكولات المعمول بها ..لدرجة أن الأمير استشعر أن في الأمر شيئا ما ..فهرول على السلم بسرعة حتى دلف داخل الطائرة .

في نفس الوقت..استقل عبد الناصر السيارة التي كان قد تم تجهيزها والتي انطلقت به على الفور إلى منزله في منشية البكري..!

***

بعد نحو الساعة والنصف كانت مصر ليست مصر ..قنوات التليفزيون .. ومحطات الإذاعة جميعها ألغت برامجها وأخذت في إذاعة القرآن الكريم دون توقف.

بديهي ..أن يستشعر الناس أن البلد ألم بها طارئ دون أن يتعرفوا على طبيعته .. أو هويته.

نعم..لقد تسلل نبأ وفاة الزعيم..لكن من كان يقدر على الجهر به علانية.

هنا..اتصل بي الزميل محمد فودة- شفاه الله وعافاه- وكان يشغل موقع رئيس قسم المراجعة بالجمهورية وسألني عما إذا كنت متواجدا أثناء سفر أمير الكويت أم لا..

فرددت على الفور:

نعم.. والبقية في حياتك في الرئيس وهكذا قلتها بتلقائية ..أو بحس ذاتي بعد ما رأيت بعيني وعشت واقعيا بالدقيقة والثانية .

ثم..ثم.. سرعان ما تناقل الناس الخبر حتى جاء أنور السادات نائب الرئيس  لينعي للأمة جمال عبد الناصر في بيان مقتضب قال فيه:

فقدت الجمهورية العربية المتحدة وفقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية كلها رجلا من أغلى الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال هو الرئيس  جمال عبد الناصر الذ ي جاد بأنفاسه الأخيرة في السادسة والربع مساء اليوم 27 رجب عام 1390الموافق 28 سبتمبر 1970ليس هناك كلمات تكفي لعزاء جمال عبد الناصر

" يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29وَادْخُلِي جَنَّتِي".

***

وقبل أن ينهي السادات بيانه ..حتى دوى صراخ الذين حوله وبكاؤهم وعويلهم ومعهم عويل وصراخ المصريين والمصريات جميعا.

وللحديث بقية.