سمير رجب يكتب مقاله "غدا مساء جديد " بجريدة المساء بعنوان " الألمان قالوا لنا صراحة في يناير 1968: تبريرات الهزيمة مرفوضة العالم لا يستمع للضعفاء "

بتاريخ: 07 أكتوبر 2018
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis

*الألمان قالوا لنا صراحة في يناير 1968:

تبريرات الهزيمة مرفوضة

العالم لا يستمع للضعفاء

اذهبوا..وأعدوا ما استطعتم من قوة

وفي نوفمبر 1973.. هللوا وهتفوا مهنئين باسترداد الأرض والكرامة

*رسالة الرئيس السيسي بالأمس تلف الدنيا كلها

في شهر يناير عام 1968 سافرت إلى ألمانيا ومجموعة من الزملاء الصحفيين.. للانضمام إلى برنامج أطلقت عليه الحكومة الألمانية في ذلك الوقت "برنامج ترسيخ مواهب وملكات الصحفيين الشبان في الدول النامية".

وصلنا إلى برلين –عاصمة ألمانيا الشرقية- وكنا حوالي ثمانية من مصر أذكر منهم الزميل الصحفي والفنان الشامل كرم بدرة والزميلتين ليلي مرموش وزينب صادق متعهما الله بالصحة.. ود.رفعت كمال ومديحة كامل رحمهما الله..

***

لم تكن قد مرت على هزيمة يونيو 1967 سوى شهور قليلة.. وكم كانت المفاجأة.. أن تأثر الألمان بما حدث لنا تأثرا فاق الحدود.. ما من شخص التقينا به..أو محاضر استمعنا إليه .. أو ندوة من الندوات.. إلا وجاء ذكر الهزيمة القاسية التي حلت بالمصريين - وليس النكسة- كما أردنا وصفها نحن.!

المهم.. التحقنا بمعهد التضامن الذي يقع وسط غابة كثيفة من الأشجار بضاحية "فريدرس هاجن" التي تبعد أربعين كيلو مترا عن العاصمة.

مرت الأيام بطيئة متثاقلة لاسيما أننا اكتشفنا أن البرنامج المخصص لنا لا يتناسب مع خبرتنا ومدة عملنا في الصحافة.. ومع ذلك حاولنا التكيف بقدر الإمكان.. إلى أن جاء اليوم الذي أدمت أحداثه قلوبنا جميعا.

***

استجلب المعهد مجموعة من الخبراء السياسيين من شتى مقاطعات ألمانيا الذين فوجئنا جميعا بأنهم يتحدثون لغة واحدة..!

لقد ركزوا على حرب الست ساعات التي منيت فيها مصر بهزيمة نكراء.. وذلك قبل أن يستمعوا إلينا نحن أصحاب الكارثة..!

حاولنا- حفاظا على ماء الوجه- تقديم بعض التبريرات منها خديعة الاتحاد السوفيتي الذي طلب منا  -وقتئذ- ألا نبادر بالهجوم على إسرائيل..فضلا عن الدعم الأمريكي اللامحدود للعدو..

 نصت الألمان إلينا باهتمام ثم أخذوا يتحدثون الواحد تلو الآخر.

ولقد أجمعوا كلهم على أن ما ذكرناه من تبريرات لا تسمن ولا تغني من جوع.. فالعبرة دائما بالنتائج.. والنتيجة –كما ذكروا بالحرف الواحد- أنكم فقدتم كرامتكم وأرضكم معا وليس أمامكم.. سوى محو هذا العار الأمر الذي لا يتحقق إلا بالقوة.. والقوة الحاسمة.. يعني لابد من تسليح أنفسكم بأحدث الأسلحة وتنفيذ أعنف وأشد برامج التدريب للجنود والضباط.

ويستطرد الألمان:

أنتم صحفيون وقطعا لديكم خطوط اتصال مع أصحاب القرار في بلدكم.. اذهبوا إليهم وقولوا لهم دون حرج : العالم لا يهتم بالضعفاء.. ولا يشغل باله بمن يبكون على الأطلال وبالتالي ليس أمامكم من سبيل سوى أن تستردوا أراضيكم التي ضاعت ولو سقط آلاف الضحايا..!

***

أمضينا ليلة حالكة السواد فبدون مبالغة.. أخذنا نبكي وننتحب كالصغار منذ العاشرة مساء حتى طلوع الشمس فلم نتصور أبدا.. أن نكون مثارا للتندر..أو الانتقاد.. وأن يصل الحال بالغرباء لكي يسدوا لنا النصيحة.. بل يدفعوننا دفعا للحرب لاسترداد ما قد سلب منا.

***

و..و..وتمر السنون وتمضي الشهور وتدور الأيام.. وتشاء الظروف أن أعود أنا نفسي إلى ألمانيا بعد نحو ست سنوات..وبالتحديد يوم12 نوفمبر عام 1973 لألمس عن قرب الفارق الكبير بين الأمس واليوم.

ذهبت إلى المجموعة السياسية في عقر دارهم.. في مركز اسمه.. مركز الدراسات والأبحاث في مدينة لايبزج وهي مدينة شهيرة منذ الحكم الشيوعي وحتى الآن بعد وحدة الألمانيتين..!

بديهي.. لم يكونوا يتذكرون شكلي.. أو اسمي..

لكني ما أن قدمت نفسي لهم حتى قاموا مهللين ليرحبوا بي أبلغ ترحيب علما بأن الألمان اشتهروا بجمود المشاعر.. وبرود الأعصاب.

وقبل أن أتحدث.. هب كبيرهم ليقول:

الآن.. أنتم الأقوياء.. انظروا حولكم.. لتتيقنوا كيف أن الدنيا كلها باتت تتحدث عن شجاعتكم.. وإقدامكم وإصراركم على انتزاع النصر..

في المساء.. أقاموا لي حفل تكريم في أحد المطاعم الأنيقة وكل منهم.. كان يقول للغادين والراحين:

هذا الصديق.. من مصر.. مصر القوة والبسالة..!

مرة أخرى انسابت الدموع من عيني.. ولكنها هذه المرة.. دموع النصر.. والبهجة..  لا دموع الانكسار.. والألم.

***

في النهاية تبقى كلمة:

قال الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس إن مصر عصيّة على الانكسار.. وإن نصر أكتوبر لم يكن صدفة وتداولت سيرته الشعوب واجتهد في تفسيره الخبراء العسكريون..!

وكم أتمنى أن يكون الأخوة الألمان الذين التقيتهم عامي 1968 و1973على قيد الحياة ليستمعوا إلى أحدث رسائل مصر وأغلاها سواء لهم.. أو للدنيا بأسرها.