*الرئيس الذي حدد موعد خروجه في نفس يوم تسلمه السلطة
*قال لي سوار الذهب:
العبادة طريقي.. بعد أن أكون قد أديت مهمتي
*عاش زاهدا.. واختار البقيع.. مستقرا دائما
*جعفر النميري.. فضل البقاء في القاهرة على أمل العودة للسودان ولكن:
إقامته طالت لمدة 15 سنة
غادر الرئيس السوداني جعفر النميري القاهرة التي كان قد توقف بها عدة ساعات قادما من أمريكا من رحلة علاج.
بعد نحو نصف ساعة من الإقلاع..اتصل النميري بالمسئولين في القاهرة مستطلعا رأيهم فيما يجري في السودان الذي كان يشهد انتفاضة شعبية عارمة لم تدر بخلده يوما.. حيث شاركت فيها كل التيارات وجميع الاتحادات والأحزاب .. وجاءه الرد:
الموقف عندكم جد خطير .. وأنت الذي بيدك القرار.. إما أن تستمر في رحلتك أو تعود للقاهرة..
بعد دقائق من التفكير.. قال الرئيس الذي شابت لهجة صوته نبرات الحزن والضعف معا: سآتي إليكم.. وأدير الأمور من العاصمة المحببة لنفسي.. بعد ذلك أتجه للخرطوم بعد أن تكون المظاهرات "المصطنعة" قد هدأت وطبعا.. لم يعد ثانية.. بعد أن انضم الجيش إلى الجماهير الغاضبة.. وظل النميري لاجئا في مصر لمدة 15 عاما.
وقعت أحداث الانتفاضة خلال شهر إبريل عام 1985 واختار الثوار بالإجماع الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب لقيادة البلاد حيث تم تشكيل مجلس انتقالي برئاسته..!
في أول اجتماع للمجلس اعترض سوار الذهب على القرار الذي تم اتخاذه في غيبته بترقيته إلى رتبة المشير.. في نفس الوقت اشترط أن تكون مهمته مؤقتة لفترة محدودة لمدة عام يقوم بعدها بتسليم السلطة لحكومة منتخبة انتخابا مباشرا من الشعب..!
***
غني عن البيان.. أن شئون السودان تهمنا كثيرا.. ودائما ترى مصر أن استقراره من استقرارها .. لذا ما أن انتهى اجتماع المجلس الانتقالي حتى كنت أجرى اتصالا مع المشير سوار الذهب نشرته "المساء" في نفس اليوم كمانشيتات وموضوع رئيسي في الصفحة الأولى..!
قلت له:
*مبروك يا سيادة المشير..!
رد في بساطة:
Xأنا لست مشيرا.. أو فريقا.. أنا واحد من أبناء السودان اختاره إخوانه وأبناؤه للعبور بهم إلى بر الأمان.. ثم يعود بعد ذلك كل منا إلى طريقه..!
علقت:
*ماذا تقصد..؟!
عاد ليجيب:
Xيعني أنا أتعهد لك من خلال جريدتكم الوطنية المصرية الشهيرة بألا أستمر يوما واحدا بعد انتهاء المدة الانتقالية والتي حددتها بسنة من الآن..!
ثم تطرق الحوار إلى الأوضاع في السودان والتطورات المتلاحقة التي شهدها مؤخرا.. ورؤيته للمستقبل..!
وقبل أن أنهي حديثي سألته ما إذا كان سيعود إلى صفوف القوات المسلحة فيما بعد..؟!
رد الرجل في تواضع ما بعده تواضع:
Xأبدا.. سوف أكون قد حققت مطلب الأمة .. وما أملاه عليّ ضميري وأتفرغ للعبادة ونشر الدعوة.
***
بالفعل في نفس الموعد وبعد عام بالتمام والكمال .. سلم سوار الذهب السلطة -كما وعد- للحكومة المنتخبة برئاسة صادق المهدي.. وأحمد الميرغني رئيس مجلس السيادة..!
من ناحيتي- كصحفي- لم أترك الحكاية تمر مرور الكرام.. بل اتصلت بالرجل.. وهنأته على ما تمتع به من احترام وتقدير الناس خلال فترة حكمه.. وما كان منه بالتالي إلا أن قال لي:
Xلقد رفضت كل العروض.. وتمسكت بما قطعته على نفسي من عهد.
***
وهكذا.. فإن المشير عبد الرحمن سوار الذهب ربما يعتبر الرئيس الوحيد الذي يتنازل عن السلطة بمحض اختياره رغم أن الظروف جميعها كانت في صالحه.. وبعدها عاش زاهدا.. عابدا.. متبتلا يمضي معظم شهور السنة في المملكة العربية السعودية ..
لقد شاءت الظروف يوما أن ألتقي به داخل الروضة المشرفة في المسجد النبوي الشريف وتصافحنا في صمت.. دون أن أعرفه بنفسي..!
***
منذ أيام رحل الرئيس الزاهد عن عالمنا ليواري جثمانه ثرى البقيع بالمدينة المنورة حسب وصيته حيث شارك في تشييعه عشرات السودانيين.. وكثيرون من زوار مسجد الرسول الكريم.
السؤال الآن:
نعم.. لقد أقيمت للرجل صلاة الغائب على روحه بالتزامن مع مراسم دفنه في جميع مساجد ولاية الخرطوم.. كما أشاد معظم خطباء الجمعة الماضية بسيرته..وخلقه.. وزهده.
ومع ذلك.. فالسؤال:
ماذا ينتوي الإخوة السودانيون عمله لتكريم الراحل الكريم.. ؟!
ألا يستحق إطلاق اسمه على جامعة من الجامعات .. أو تخصيص جائزة باسمه ينالها المثقفون في السياسة والدين والأخلاق معا..
أم ستطوي ذكراه –كالعادة- ملفات النسيان..؟!
أبدا.. إن رجلا مثل سوار الذهب ليس من السهل إغفاله أو تناسيه حيا كان أو ميتا..!
***
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..