النيران الصديقة.. تعبير بدأ يدق الآذان بعنف منذ حرب تحرير الكويت عندما لقى ستة جنود بريطانيين مصرعهم على أيدى القوات الأمريكية..!!
يومها.. تعالت أصوات الرأى العام فى بريطانيا مطالبة بالقصاص ومتسائلة فى غضب وحيرة: كيف.. يتقاتل «الحلفاء» فوق أرض المعركة..؟؟
على الفور.. نجح الأمريكان فى احتواء الموقف.. مبررين ما جرى.. بأنه لا يعدو أن يكون مجرد خطأ فى التقديرات سواء من هذا الجانب أو ذاك..!
* * *
أثناء الحرب التى شنها الرئيس الأمريكى جورج بوش ضد العراق بزعم امتلاكه أسلحة دمار شامل.. اسقطت قواته طائرة «تورنادو» كانت تحلق فى الجو وسط علامات تعجب كثيرة سرعان ما تلاشت بعد أن عادوا ليحملوا النيران الصديقة المسئولية..!
* * *
أول أمس.. تكرر السيناريو.. بنفس التفاصيل تقريبا.. فقد اشتبكت مجموعة من الجنود البريطانيين مع بعض عناصر جماعة طالبان فى جنوب أفغانستان.. وبدا واضحا أن المعركة غير متكافئة.. فإذا بالجنود البريطانيين يبعثون برسالة استغاثة طالبين المساعدة الجوية..!
بالفعل.. جاءتهم «النجدة».. المتمثلة فى تشكيل قتالى أمريكى الذى سرعان ما ألقى قائد إحدى طائراته الـF15 بقنابله مستهدفا عنصر طالبان.. غير أن تلك القنابل أطاحت بخمسة جنود بريطانيين.. ثلاثة منهم لقوا حتفهم فى الحال.. والاثنان الآخران.. بين الحياة والموت..!
* * *
.. وهكذا فإن النيران الصديقة.. لا تختلف من قريب أو من بعيد عن نيران الأعداء.. فكلتاهما «تشوى» الأجساد.. وتدمر اللحم والعظام..!
لكن ما ينبغى التوقف أمامه.. أنه على مدى الستة عشر عاما الماضية.. قد تم تطوير مفهوم، وأساليب النيران الصديقة التى انتقلت من ميدان القتال.. إلى أرض السياسة، والمال، والاقتصاد..!!
فمثلا.. وزيران فى حكومة واحدة.. المفترض أنهما زميلان.. يتسم حوارهما العلنى غالبا بالعذوبة.. والنطق.. والتعقل..!
فجأة.. يدخل رئيس الوزراء عليهما.. فإذا بأحدهما يوجه أبشع الاتهامات للآخر..!
يفعل ذلك دون أن تغادر الابتسامة الباهتة شفتيه.. وفى النهاية يقول: آسف.. لا أعرف كيف صدرت منى هذه الكلمات التى أرجو ألا تحملها أكثر مما تحتمل.. فالصداقة التى تربطنا كفيلة بأن تغفر لى..!!
صمت..!!
* * *
أيضا العلاقات بين رجال الأعمال وبعضهم البعض.. قد تعكس صورة واقعية لتصادم المصالح التى يضطر أصحابها «المشتركون» لتبادل السلامات والتحيات فى العلن.. بينما الضرب تحت الحزام يصل أقصى مداه..!
وإليك هذه اللقطة:
رجل أعمال.. لم يكن فى العير، أو النفير.. أخذ يتقرب «للسلطة».. ينافق هذا ويقبل يد ذاك.. حتى أصبح -بقدرة قادر- عضوا فى مجلس الشعب..!
لم يكتف بما وصل إليه.. بل إن الغل ينهش قلبه.. فلماذا لم يعين وزيرا فى الوقت الذى عين فيه آخرون من نفس النوعية.. وذات العينة..؟!
مكالماته التليفونية اليومية لا تكاد تنقطع مع من يعرف ومن لا يعرف.. وكلها لا تخلو من التلميحات، والغمز، واللمز ضد شخص بعينه.. طالما أوهمه باعتزازه به.. وبحجم التقدير الذى يكنه له..!
حتى جاء يوم.. جمعهما فيه لقاء مشترك.. مع مسئول كبير.. فإذا بالهمسات تتحول إلى قذائف.. وطلقات رصاص زاخرة بالاتهامات الصارخة ضد «صديقه».. أو الذى يفترض أنه صديقه..!
.. و.. و.. وياللبجاحة.. فبقعد أن فعل ما فعل.. اتجه إليه.. ليصافحه بحرارة، ويحتضنه.. دون أن ينبس بنبت شفه معتبرا أن شظاياه التى تطاريت هنا وهناك إنما تدخل فى دائرة «النيران الصديقة»..
.. و.. و.. وكم من الكوارث، والمآسى، والجرائ قد باتت ترتكب باسمك.. أيتها اللعينة..!