استطاع الأمريكان من خلال أفلامهم الهوليوودية الخادعة إيهام العالم بأنهم دولة مؤسسات.. وأن الرئيس- أى رئيس- ليس إلا مجرد منسق بين هذه المؤسسات وبعضها، دون أن يملك القرار النهائى، سياسياً كان، أو اقتصادياً، أو عسكرياً..!
بالضبط مثلما ملأوا الدنيا صياحاً بأن الحرية عندهم لا تدانيها حرية فى الوجود.. وأنهم آباء الديمقراطية فى كل زمان ومكان!
طبعا التجارب الواقعية تثبت العكس تماماً.. ولعل أبلغ شاهد وخير دليل تلك الحرب التى شنها فى مارس عام 2003 رئيسهم جورج دبليو بوش ضد العراق والتى كلفتهم 6 تريليونات دولار، وقد شن بوش هذه الحرب رغم أنف الكونجرس.. ورغم أنف الرأى العام.. فقد ركز جل همه على إذلال الرئيس العراقى صدام حسين الذى أراد يوماً اغتيال أبيه.. فى نفس الوقت الذى يحمل فيه عداء صارخا وسافرا ضد إسرائيل..!
لقد استغل بوش الابن فقرة فى قانون، صدر عام 1973 تقول إنه يمكن لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية إرسال الجيوش إلى دولة أجنبية لمدة تتراوح بين 60 و90 يوما دون الرجوع للكونجرس.. وهذا ما استند إليه للأسف بكل مكر وكل نوايا خبيثة.
ليس هذا فحسب.. بل لقد شهد العالم قبل بدء الحرب وأثناءها مظاهرات نظمها 36 مليون شخص- حسبما سجلته موسوعة جينيس للأرقام القياسية.. للتنديد بهذه الحرب دون جدوى!
ثم... ثم... عندما جاء الرئيس باراك أوباما إلى سدة الحكم أخذ يوجه انتقادات صارخة لسلفه، متهما إياه بتبديد الأموال وقتل الأبناء والبنات ليعلن إنهاء الحرب بقرار فردى أيضا!
■ ■ ■
والآن يقف الرئيس الحالى دونالد ترامب متحدياً العالم بأسره بإعلان اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل..!
يفعل ذلك رغم كافة القرارات الدولية الصادرة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما التى تقول العكس..!
لكن «سيادته».. «طق فى فمه» أن يفعل ما فعل دون اعتبار لأى مبادئ سياسية.. أو إنسانية.. أو حتى أخلاقية..!
من هنا يثور السؤال:
وأين إذن المؤسسات الدستورية المزعومة التى روجوا لها منذ نشأة الولايات المتحدة على ظهر الأرض؟!
الجواب ببساطة شديدة: إنها مجرد «ديكور».. شأنها شأن غيرها فى أكثر الدول تخلفا..!
انظروا ماذا تقول مقدمة دستورهم الذى يتباهون به والذى يزعمون أنه الدستور «الأمثل» لكافة البقاع والأصقاع.
«نحن شعب الولايات المتحدة رغبة منا فى إنشاء اتحاد أكثر كمالاً وفى إقامة العدالة وضمان الاستقرار الداخلى وتوفير سبل الدفاع المشترك وتعزيز الخير العام وتأمين نعم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة.. نرسم ونضع هذا الدستور».
بالله على الأخ ترامب.. أين قراره المنحاز وغير العادل والذى لا يعرف الخير من قريب.. أو من بعيد.. من تلك الكلمات التى سبق أن صاغها أجداده وآباؤه؟!
■ ■ ■
على الجانب المقابل.. فإن استخدام أمريكا للفيتو لرفض القرار المصرى العربى.. ليس بالأمر الغريب.. بل إنه متوقع منذ البداية وحتى النهاية.. لأن شخصاً بهذه التركيبة الملتوية.. كيف ينحاز للمبدأ.. أو القيمة.. أو المعنى..؟!
لقد ضرب ضربته.. ووقف يخرج لسانه للدنيا كلها فى زهو وخيلاء غير مبالٍ بالموقف الجماعى لكافة أعضاء مجلس الأمن بلا استثناء!
■ ■ ■
فى النهاية تبقى كلمة:
بكل المقاييس.. لا يدرك دونالد ترامب أن الإحباط يولد إحباطاً، والظلم يزيد المظلوم غضبا.. ويأسا.. ورغبة عارمة فى الانتقام.. وعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر عام 2001 والتى تمثلت فى تفجير برجى التجارة الشهيرين فى نيويورك.. وأيضا وصول الطائرات المغيرة إلى مبنى البنتاجون الحصين بواشنطن.. تصور الرئيس الأمريكى وقتئذ.. بأن غزو أفغانستان والعراق يمكن أن يقضى على الإرهاب، وهو ما لم يحدث.. بل لن يحدث!
إن الرئيس ترامب يكرر مرارا وتكرارا بأنه يسعى لضمان الأمن القومى لبلاده وحماية مصالح شعبه من غلواء المتطرفين والإرهابيين دون أن يضع فى حسبانه- للأسف- أنه أشعل بإرادته واختياره نيران الإرهاب التى لا يعلم سوى الله- سبحانه وتعالى- من تطال غداً.. أو بعد غدٍ، ولا حجم ما يمكن أن تسببه من دمار وخراب.
أكرر: دمار وخراب يا سيادة الرئيس الجمهورى المنتخب..!
■ ■ ■
" كبسولات "
■ استكمالاً للمقال.. أؤكد، وأؤكد أنا وغيرى:
إذا لم يتخذ العرب- كل العرب، والمسلمون- كل المسلمين موقفا حاسما.. وصارما.. وواضحا.. وشجاعا.. وباترا.. وقاطعا.. فلن تعود القدس، ولا بعد ألف عام من الزمان!
■ مهما تلبدت السماء بالغيوم.. فلابد أن تجىء اللحظة التى يحرز فيها التفاؤل نصرا عزيزا مؤزرا ربما لم يكن متوقعا..!
■ الكفاءة لا يخيب الله رجاء صاحبها.. وبديهى أن القدرة على الاستيعاب تختلف من شخص لآخر.. من هنا.. أحيى د. مصطفى مدبولى القائم بأعمال رئيس الوزراء.
■ أحسن الأزهر الشريف بترشيحه المستشار والكاتب رجائى عطية لنيل جائزة النيل، فالرجل- والحق يقال- مثال للإدراك والفهم الواعى.. و... و... وسعة الأفق.
■ لا أعرف لمن أقدم التهنئة:
هل لـ«الأستاذة» داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار السابقة، أم لشركة إيجيل كابيتال التى تولت مؤخرا رئاسة مجلس إدارتها؟
عموماً ربنا يوفق.
■ توقفت أمام هذه المقولة:
لقمة فى بطن جائع.. خير من بناء ألف جامع!
وأنت.. ما رأيك؟!