لم يشهد العرب على مدى تاريخهم.. أن تنازل أحد حكامهم عن السلطة باختياره البحت.. إذ لا يخلعهم من مقاعدهم الأبدية سوى الموت.. أو الطرد القسرى! الوحيد الذى كسر هذه القاعدة.. رجل طيب.. اسمه عبدالرحمن سوار الذهب.. الذى تولى قيادة السودان بعد الثورة الشعبية التى أطاحت بالرئيس جعفر نميرى، وكان شرطه الوحيد أن يسلم مقاليد الأمور لمن تختاره الجماهير من خلال انتخابات حرة..! وقد كان..!
لقد شد موقف الرجل انتباهى وانتباه غيرى، لذا فقد بادرت لأن أجرى معه حوارا حاولت من خلاله أن أستشف منه أبعاد شخصيته.. وأتعرف على مواقع الزهد والورع فى حياته..!
ولقد أحدث هذا الحوار صدى واسعا داخل السودان وخارجه، إذ لم يحدث أن تحدث الرجل من قبل.. بل لم يتحدث بعد ذلك على مدى فترة طويلة..!
من يومها.. ازدادت الروابط بينى وبين عدد من الشخصيات السياسية والصحفية فى السودان، حيث تبادلنا الزيارات.. واللقاءات سواء فى الخرطوم أو القاهرة.. حتى جاء للحكم الرئيس عمر البشير..!
ظل البشير مهموما طوال السنوات الأولى وأيضا حتى الآن بترسيخ قواعد حكمه.. ومحاولة إجراء المصالحات بينه وبين المتمردين الذين يزدادون يوما بعد يوم فى مناطق شتى من البلاد سواء فى دارفور.. أو كردفان.. أو غيرهما..!
بعد فترة ليست قصيرة من التقاط الأنفاس.. جاءنى ذات يوم اتصال تليفونى لإبلاغى بأنى على موعد مع الرئيس بعد 48 ساعة..!
فى البداية.. ترددت فى الذهاب إلى السودان، حيث كان وباء الكوليرا يجتاح البلاد من أولها لآخرها، يحصد الآلاف، بينما الحكومة لا تريد الإعلان رسميا عن هذا الوباء.. حتى عندما اضطررت للاعتراف فى بيان رسمى لوزارة الصحة- لم تذكر صراحة اسم الكوليرا- بل قالت إن أعدادا من المواطنين فى عشر ولايات منها ولاية الخرطوم الكبرى تعرضوا لنزلات معوية أدت إلى وفاة البعض، وإدخال البعض الآخر المستشفيات..!
وأنا أعرف بحكم معلوماتى البدائية أن هذا المرض ينتقل من خلال الطعام لا سيما الخضروات.. والفاكهة وكذلك المياه..!
المهم.. استخرت الله.. وسافرت للخرطوم إيمانا بأن الرب واحد.. والعمر واحد..!
دعانى الرئيس البشير إلى العشاء فى القصر الجمهورى.. وجلسنا وحدنا على المائدة دون أن يشاركنا أحد..! نظرت لأطباق السلاطة وأكواب العصير وأنا أشعر بينى وبين نفسى.. أن الوباء القاتل ليس ببعيد، تظاهرت بأنى أتناول الطعام.. بينما الرئيس البشير يحرص بين كل فترة وأخرى على الاطمئنان إلى أنى لن أغادر المائدة حتى أشبع تماما..!! واستغرق العشاء حوالى الساعة، لم أذق خلالها كسرة خبز واحدة، ولعل الحديث الذى تخلل العشاء قد أزاح عنى الكثير من الحرج..!
استهل البشير كلامه بسرد سريع للعلاقات المصرية السودانية، وكيف أننا شعب واحد، وطن واحد، مستنكرا المحاولات التى تقوم بها بعض القوى الخارجية لتعكير صفو هذه العلاقات، مؤكدا على أن تلك المحاولات سترتد إلى نحور الكارهين.. والمتآمرين.. ثم..ثم.. يصمت ويسألنى: لماذا تزداد الأحوال بين مصر وإيران توترا يوما بعد يوم.. وفى رأيى أنه من الأفضل رأب الصدع..!
رددت: فخامة الرئيس.. الإيرانيون هم الذين يصرون على التدخل فى شؤوننا.. وعلى تصدير الإرهاب لنا.. وبديهى ذلك يؤرقنا.. ويهدد استقرارنا وأمننا..! يعود ليقول: لقد فكرت مجرد التفكير فى منح إيران قاعدة عسكرية، لكنى فوجئت بأن الرئيس مبارك يستشيط غضبا.. فلم أفاتحه ثانية.. وآثرت أن أبقى الأوضاع على ما هى عليه. الآن.. يجىء السودان.. ليغير اتجاه البوصلة، وبدلا من إيران.. يعلن صراحة عن منح تركيا جزيرة سواكن الواقعة فى الشمال الشرقى للبلاد وعلى الساحل الغربى للبحر الأحمر والتى يبلغ طولها نحو 750 كيلومترا وعرضها حوالى 500 كيلو متر.. وقد خضعت هذه الجزيرة خلال مرحلة زمنية معينة للحكم العثمانى؛ وهنا بيت القصيد.
لقد انتهز الرئيس التركى رجب أردوغان الفرصة ليمارس لعبة جديدة من ألاعيبه المعتادة.. فذهب إلى سواكن بنفسه ومعه زوجته، صائحا من هناك بأن تركيا ستعيد بناءها من جديد بعد أن وافق السودان على تسليمها لنا لترجع إلى أصولها الأولى «يقصد أيام حكم العثمانيين».. ثم أضاف فى لهجة أكثر استفزازا: الأتراك الذين يريدون أداء العمرة سيأتون إلى سواكن ومنها إلى مكة والمدينة فى سياحة مبرمجة..!
على الجانب المقابل.. فإن هذا التفريط السهل فى الجزيرة السودانية لقى اعتراضات داخلية بالغة.. حيث يرى الناس فى ذلك استباحة صارخة للأرض والإنسان، وأنه ليس من حق الرئيس- أى رئيس- أن يقدم على مثل تلك الخطوة..!
والآن.. لابد أن عمر البشير قد استمع جيدا لتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى المتكررة والتى يؤكد فيها أن الأمن القومى لمصر خط أحمر، ونحن قادرون على حمايته بشتى السبل والوسائل..!
من هنا، فليفكر الرئيس السودانى ألف مرة ومرة.. قبل أن يتورط فى اتخاذ إجراءات تنفيذية من شأنها سحب سيادة بلاده على سواكن القريبة منا وتسليمها للأتراك.. الذين لا يختلفون كثيرا عن الإيرانيين..! و..و.. وتذكروا يا أولى الألباب..!
(كبسولات)
■ أقول لهذه الحشود التى شيعت إبراهيم نافع إلى مثواه الأخير.. لقد جئتم للأسف متأخرين ومتأخرين جدا.. فقد كان الواجب يقتضى أن تشيعوه رافعين رايات العرفان والجميل ورد الكرامة.. وهو مازال على قيد الحياة، أما مشاعر ما بعد الوفاة فمن الصعب تصديقها لاسيما فى ظل ما تعرض له الرجل من جور وغبن وعدم وفاء.
■ رواد التواصل الاجتماعى يتبادلون منذ أيام تلك الأبيات الشعرية.. وقد أعجبتنى ورأيت أن أقدمها لك:
وكم من شدة فى الليل ضاقت
وجاء الصبح فى أبهى انفراجة
فكيف ينام فى الأسحار عبد
له فى النفس عند الله حاجة
سبحان الواحد القهار..
■ هكذا تدور الدوائر.. إيران خبيرة صنع الاضطرابات وإثارة الفوضى والقلاقل بين الشعوب.. ها هى تتعرض لأخطر الثورات فى التاريخ الإنسانى.. ثورة الجياع.. لقد خدعهم الأئمة والملالى بشعارات زائفة.. حتى جاء من يدوسهم بالأقدام..!
■ بعد أن انفض مولد انتخابات النوادى.. ماذا جرى.. وماذا حدث..؟!
لقد ذهبت منذ أيام لأحد تلك النوادى الكبيرة والذى طال التغيير رئيس وأعضاء مجلس إدارته فاكتشفت أن الحال مازال على ما هو عليه.. ولا تقدم يذكر..!
يا ناس كفاكم.. كفاكم..!
■ الفتيات اللاتى يقدمن هذه الأغانى الخليعة.. وهن يعلمن مقدما أن مصيرهن السجن.. لا يختلفن فى شىء عن المهاجرين هجرة غير شرعية الذين يخوضون التجربة القاسية وهم يعلمون مسبقا أنهم غارقون فى الماء!.