حتى لا يحول المتعاطفون مع الإخوان مصر كلها إلى دندرة 1959
هل نسيتم كيف قلبوا شم النسيم من عيد محبة وأخوة وتفاؤل إلى نزيف دم وإشعال حرائق وسرقة ونهب..وتدمير..؟؟
اعتاد المصريون منذ ثلاثة آلاف عام من الزمان مع اختلاف دياناتهم..وتنوع عاداتهم..وتعدد معتقداتهم ومشاربهم على الاحتفال بيوم شم النسيم ..وإنصافا للحق..كانوا جميعا ينتهزون حلول هذا اليوم لقضاء أوقات بهيجة مع بعضهم البعض تغلفها مشاعر الحب المتبادلة والمودة الخالصة واليقين بأن الوطن واحد بأرضه وسمائه وتراثه حتى حدث ما حدث يومي26 أكتوبر عام 1954 و8مايو عام1959.
لماذا هذين التاريخين بالذات ..؟
سأحكي لكم الحكاية من أولها لآخرها التي قد تكون وقائعها غائبة عن أذهان الكثيرين لاسيما من الأجيال الحالية وما قبلها..!
يوم 26 أكتوبر عام1954 وقف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية وفجأة انطلقت رصاصات نار صوب جسده ولولا عناية الله لسقط مدرجا في دمائه..!
لم يتصور عبد الناصر وهو الزعيم الذي راهن على شعبه فاكتسب تأييدا ساحقا..ودافع عن المقهورين والبسطاء فحظي برصيد جماهيري منقطع النظير..!
أقول لم يتصور عبد الناصر أن واحدا من بني وطنه يمكن أن يغتال فيه أحلام الحاضر وأمنيات المستقبل..ورغم ذلك فقد واجه اللحظة الصعبة بإطلاق مقولته الشهيرة.."إذا مات جمال عبد الناصر..فكلكم جمال عبد الناصر"..ثم أشار بإصبعه في ثبات وقد ارتفع صوته أكثر..وأكثر:
امسك اللي واقف هناك هذا"!!
وجاءت قوات الشرطة والناس عن بكرة أبيهم بـ"المعتدي" الذي تبين أنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين..!
***
بديهي..مثلما هو معروف عن عبد الناصر لم يكن من السهل التفريط في"حقه"..أو التسامح مع من وجه إليه يد الغدر.. والخيانة..وبالتالي كانت الحملة الضارية ضد الإخوان..ليسجن منهم من يسجن..ويعلق في أعواد المشانق من يعلق..وهم كعادتهم يكتمون غيظهم..ويعدون العدة لساعة الانتقام..!
***
وهنا نتوقف أمام التوقيت الثاني الذي أشرت إليه وهو 8 مايو عام 1959 والذي تصادف أنه يوم شم النسيم ..أي بعد واقعة محاولة الاغتيال بخمس سنوات..!!
لقد قام بعض"الإخوانجية" الماكرين ممن يسمون بالخلايا النائمة داخل مجلس نقابة المهن الزراعية بتنظيم رحلة نيلية إلى القناطر الخيرية مستأجرين باخرة اسمها "دندرة" لا تزيد سعتها عن 47 راكبا..لكنهم تعمدوا أن"يحشروا" فيها 250 ليصبحوا مشاريع موتى ..وقبل أن تبحر الباخرة من ميناء روض الفرج ..كانوا قد زرعوا في إحدى ماكيناتها المتهالكة قنبلة يدوية..حددوا موعد انفجارها بعد 45 دقيقة ..لكن شاء القدر أن يتعطل المنظم البدائي لتقع الجريمة المدوية قبل إرسائها على شط نيل القناطر بعدة كيلو مترات .
لقد طارت الأجساد في الهواء..وسقط الأطفال والنساء والرجال في قاع الماء..فكانت كارثة بكل المقاييس حلت بمصر قبل أيام من تشكيل عبد الناصر لحكومته الجديدة..!
انظروا..إلى أي مدى وصلت بهم السفالة على امتداد تاريخهم اللعين.
منذ ذلك الوقت.. وأصبح يوم شم النسيم عنوانا للتشاؤم والخوف بعد أن كان صورة من أبهى صور السعادة والتفاؤل إلى أن تمكن المصريون بإرادتهم الصلبة المعتادة من أن يرسموا بسماتهم على شفاههم من جديد.
..و..وتمر السنون والشهور والأيام لتطفو على السطح أحداث 25 يناير عام 2011 ووفقا لما تم إثباته ركب الإخوان الموجة..وأطاحوا بالشباب المغرر بهم..وقتلوا منهم من قتلوا ..وزجوا في السجون بمن زجوا مع ترديد..دعاوى كاذبة حول تحريم الاحتفال بشم النسيم وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان تقضي زورا وبهتانا بعدم تهنئة الأقباط بعيد القيامة المجيد ومن يفعل ذلك فيصلى سعيرا ويلقى ثبورا..!
***
انطفأت جذوة الفرحة في نفوس المصريين ..لا سيما وسط ما يتعرضون له من حرائق ..وأعمال نسف وتدمير..واغتيالات وسرقة ونهب لأموالهم وممتلكاتهم وكنوز تاريخهم.
***
الآن.. عاد إلى مصر شم النسيم بالضبط مثلما عادت هي إلى معانٍ وقيم كثيرة .
ها هي الأسارير تنفرج بفضل الأريج العطر..وها هي مشاعر الطمأنينة تتغلغل في الأفئدة وها هم المسلمون والمسيحيون يقفون صفوفا متراصة في الحرب ضد الإرهاب رافعين ..نداء واحدا..الله أكبر..الله أكبر..!
***
في النهاية أود أن أوجه سؤالا منطقيا..وبسيطا..وتلقائيا لمن رفعوا مؤخرا شعارات ضم الإخوان المسلمين "المتعاطفين" إلى مسرح الحياة السياسية..!
يا سادة..إذا وافقناكم على هذا الانفلات المفاجئ..وأحسب أن أحدا عاقلا يمكن أن يوافق.. فما الذي أدراكم ألا يكرروا نفس ما فعلوه منذ 59 سنة.. ليحولوا مصر كلها إلى"دندرة"..؟!
هل ساعتها سنصفق لكم..أم كالعادة..ستنقلبون على
أعقابكم ..وتهرعوا إلى مربع آخر من بين المربعات العديدة التي تعودتم على القفز بداخلها أو حولها في دهاء.. وريبة ..وبراءة مصنوعة..؟!