سمير رجب ينتقد سياسة ضبط النفس..إلا إذا.. بمقاله بجريدة الشورى

بتاريخ: 12 مايو 2018
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis

لا ضبط للنفس.. إلا بعد جلاء الإيرانيين وحزب الله عن سوريا.. وبعد تسوية سلمية يخرج منها الشيعة.. ولا ضبط للنفس إلا بعد أن تتراجع أمريكا عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. ولا ضبط للنفس.. إلا بعد الإفراج عن الأسرى  الفلسطينيين.. والاعتراف بحقوقهم

*العراقيون أخذوا يهتفون سنوات وسنوات بالروح والدم.. نفديك يا صدام .. وعندما تدلت رأسه من حبل المشنقة .. لم ينطق أحد..!!

عبارة ضبط النفس عبارة مستفزة قديمة انتهى عمرها الافتراضي فضلا عن أنها خاوية المعنى.. فارغة المضمون .. وأصبح تكرارها يذكرنا بالعديد من المآسي التي عاشها العرب على مدى عصورهم .. وأزمنتهم..!

بالضبط مثل عبارة "بالروح.. والدم نفديك.. يا رئيس".. وقد كانت هي العبارة الأشهر في عصر الرئيس العراقي صدام حسين حيث أخذت الحناجر ترددها "ليل..نهار" إما قهرا .. أو جبرا.. أو نفاقا.. أو خوفا.. وعندما تدلت رأس الزعيم الأوحد..الركن  المهيب من حبل المشنقة .. لم ينبس أحد ببنت شفة.. وساد الصمت.. وتوقف الكلام..!

***

وأمس وعلى غير المتوقع طالبت روسيا كلاً من إيران وإسرائيل بالعمل على ضبط النفس مع الإشارة إلى أن مفاوضات السلام بالنسبة لسوريا سوف تستأنف خلال الأيام القليلة القادمة .

طبعا هذا الموقف من جانب روسيا.. جاء بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل في موسكو وبعد وقوفهما جنبا إلى جنب يشهدان الاستعراضات العسكرية الروسية.

واضح بعد هذا اللقاء.. وبعد زيادة الموقف اشتعالا في سوريا دون أن يكون للروس هذه المرة أي دور..قيام الرئيس بوتين بتكليف وزير خارجيته بإصدار تصريح يتضمن العبارة المستهلكة إياها..!

***

وبصرف النظر عما إذا كانت إسرائيل سوف تعيد حساباتها بإزاء إيران.. وبعيدا عن عنترية الملالي  في طهران .. فإني أنبهكم من الآن بأن الأوضاع سوف تزداد سوءا لأن الأمر لم يعد قاصرا على أجزاء بعينها تاركين الكل يغلي وكأنه بالفعل فوق فوهة بركان..!

***

يا سادة.. إذا أردتم أن تكون للكلمات معنى.. وللسياسات جوهر ومضمون.. وللتحذيرات صدى.. هناك عدة قضايا أساسية يجب وضعها في الاعتبار ..

أولا: لابد من جلاء الإيرانيين "المحتلين" عن سوريا.. ومعهم حزب الله .. فوجودهم هناك يثير حفيظة أبناء الوطن.. ويضع أطرافا أخرى عديدة وضع المتحفز والمتنمر بحيث إذا بدا تصرف واحد من جانب إيران .. سرعان ما يكون له ألف رد فعل وفعل.. أقوى.. وأشد وأعنف..

يا ناس.. لا تدفنوا رؤوسكم في الرمال.. واعترفوا بأن نظام الحكم في إيران يلقى عداوات من كل فج.. ولا أحد على مستوى العالم يطيقه.. بل الجميع شرقا وغربا يتمنون إزاحته في أي وقت.. وبالتالي فإن خروج ميليشيات الحرس الثوري وحزب الله من سوريا سوف يؤدي إلى ترطيب الأجواء الساخنة في مواضع شتى..!!

***

أيضا.. لا مجال لضبط النفس .. بينما الرئيس الأمريكي مازال مصرا على أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل..

إن هذا القرار"الأهوج" أثار حفيظة الفلسطينيين أكثر وأكثر.. ومن يومها وهم يشعرون بإحباط ما بعده إحباط.. حيث أدركوا أن الشريك في عملية السلام سيظل دائما وأبدا.. متحيزا.. لا يعرف العدل ولا الحق.. ولا القانون..!

نفس الحال بالنسبة للإسرائيليين الذين يرتكبون كل يوم أبشع الجرائم وأعتاها ضد أبناء وبنات الشعب الفلسطيني الذين يعيش معظمهم داخل أسوار السجون منذ عشرة أو خمسة عشر عاما.. وما من مغيث لهم.. ولا من مستمع لأناتهم وصرخاتهم..!

لذا .. فليس أمام إسرائيل حاليا إلا الإفراج عن هؤلاء الأسرى مع الاعتراف اعترافا صريحا وواضحا ومحددا بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وبحل الدولتين .. وفيما عدا ذلك فسوف تظل الأجواء متوترة.. الكل يتربص بالآخر .. والجزء يسعى ليدوس بأقدامه على الكل.. ويذهب من يذهب للجحيم..!

***

على الجانب المقابل..  سيجيء من يسأل :

وما علاقة ضبط النفس بالمعارك الدائرة الآن فوق أرض سوريا..؟!

لا .. وألف لا .. يا من تكتفون بالقشور.. ضاربين عرض الحائط بالمحتوى والمكنون.. والعمق .. والأبعاد..

إن ما يجري في سوريا ليس إلا محصلة سنوات.. وسنوات.. بالضبط مثلما جرى في العراق وحدث في اليمن.. وفي ليبيا ..و.. و..وبالتالي لا يمكن فصل حبات العقد عن بعضها البعض رغم أنها قد انفرطت وأصبح إعادة تجميعها يدخل ضمن قائمة المستحيلات.

 في النهاية تبقى كلمة:

أرجو من روسيا.. وغيرها البحث عن أسلوب آخر.. غير ضبط النفس هذا لكل ما أوضحته آنفا من أسباب وحقائق.. خصوصا وأن عبارة ضبط النفس تذكرنا بما كان يردده العراقيون ليل نهار: "بالروح بالدم.. نفديك يا صدام"..وعندما تدلت رأس صدام من حبل المشنقة .. ساد الصمت .. واختفت الأصوات.. وأسرع كل واحد منهم ليعلن تبرأه من الزعيم الركن المهيب الذي طوته الآن ملفات النسيان..