تسبب «فاكس» تم إرساله إلى صحيفتين كويتين فى وقت واحد.. إلى إلغاء ترخيص الأولى وهى جريدة «السياسة».. وتعطيل الثانية «الوطن» لمدة عامين.. ولولا أن الدولة قد تأكدت من «حسن النية» لظل القرار ساريا.. لأنه تضمن معلومات خاصة بزيادة مرتبات رجال الجيش والشرطة والحرس الوطنى التى يعتبرونها هناك ضمن الأسرار العسكرية..!
لذا.. فقد بادر أمير الكويت فى اليوم التالى بإلغاء كافة الإجراءات التى سبق اتخاذها ضد الصحفيين.
* * *
بصرف النظر عن أن المعلومات التى تضمنها الفاكس صحيحة أم كاذبة.. مسموح بها أو غير مسموح.. إلا أن القضية فى النهاية تحتاج إلى دراسة بعد أن أصبح الصحفيون -للأسف- فى أماكن عديدة من العالم يعتمدون على «الفاكس» فى توصيل الأخبار لهم إما عن طريق منازلهم أو مقار أعمالهم دون أن يبذلوا جهدا يذكر..!!
* * *
طبعا.. مندوبو الأخبار فى الوزارات، والهيئات، والشركات، والمؤسسات والسفارات أو لمن «استسهلوا» اللعبة.. حيث يتفقون مع إدارات العلاقات العامة لتبث لهم بالأخيار.. وهى غالبا من التى ترضى الوزير، أو رئيس مجلس الإدارة، أو السفير.. أما تلك التى نسميها أخبارًا اجتهادية، أو انفرادية فبديهى أنها لا تصل إلى المندوب الذى اكتفى بالجدوس خلف مكتبه.. لا يتحرك، ولا يحاول أن يتقدم خطوة إلى الأمام.. نظرا لافتقاده القدرة على المنافسة..!!
* * *
نفس الحال بالنسبة للكاتب.. الذى تأتيه المعلومات بالفاكس.. ولا يحاول التأكد من صحتها.. فيظهر «مقاله» بعيدا كل البعد عن الواقع.. أو فى أحسن الظروف بعيدا عن مصالح طرف من الأطراف بلا أدنى اهتمام بالطرف الآخر.
* * *
من هنا.. يثور سؤال مهم:
هل يمكن اعتبار الأدوات، والمخترعات الحديثة سلاحا ضد الصحافة، والصحفى.. أم العكس..؟؟
أنا شخصيا.. أرى أن الأمر ينطوى على شقين مهمين.. الأول أن هذه الأدوات تسهل مهمة الصحفى -ولا شك- لأنها تعينه على استقبال ونقل المعلومات فى لمح البصر.. لكن إذا أساء استخدامها.. فإنه لابد أن يدفع الثمن.. إن آجلا، أو عاجلا.. بركونه إلى الدعة، والسكون.. ونحن نعرف جميعا أن الصحافة تغضب أيما غضب من كل من يدير لها ظهره، ولا يعطيها حقها المناسب من الإجلال والتقدير..!
* * *
على الجانب المقابل.. يوجد فى الدنيا كلها أناس عدوانيو النزعة.. هوايتهم فى الحياة أن يوقعوا غيرهم فى مأزق، أو مشاكل قد يسبب بعضها كوارث أو مآسى.. بينما هم لاهون.. عابثون..!
مثلا.. شىء عادى جدا.. أن تستقبل دور الصحف كل يوم سواء فى العالم العربى، أو فى أوروبا، أو أمريكا.. «فاكسات» مجهولة الهوية تقول.. إن الفنان الفلانى الشهير.. قد لقى حتفه فى سيارة.. أو أن الشركة الصناعة للطائرات العملاقة قد أغلقت أبوابها.. أو رجل الأعمال «الكبير».. قد صدر قرار بمنعه من السفر.. فهل من المنطق فى شىء.. أن يجرى إعادة صياغة ما تضمنته هذه الفاكسات ليتم إرساله إلى المطبعة بحيث تصدر الجريدة.. وقد امتلأت صفحاتها بالبنادق، والسكاكين..؟؟
الجواب بالنفى طبعا.. وبالتالى فإن تعليمات رئىس التحرير الاحسمة، والصارمة.. لابد أن تقضى بضرورة التثبت مما تنطوى عليه هذه الفاكسات التطوعية من معلومات أو بيانات..!
فى نفس الوقت.. يجب أن يكون واضحا لجميع العاملين فى أقسام التحرير المختلفة.. أن تواجد المندوب الصحفى فى مكان اختصاصه يوميا أمر مفروغ منه، كما أن اللقاءات المباشرة مع المصادر ركن أساسى لا نقاش حوله، ولا جدال.
* * *
على أى حال.. إن خطأ الطبيب غير المتعمد قد يضر فردا واحدا.. كما أن إهمال «المهندس».. ربما يمتد ليشمل عددا ن الأشخاص محدودى العدد.. أما بالنسبة «للكلمة المطبوعة» فإنها فى بعض الأحيان تزلزل كيانا بأكمله.. ولعل ذلك سبب الإجراءات الصارمة أو القاسية التى تتخذها الحكومات.. وهى أحيانا تكون مضطرة.. وأحيانا أخرى تطبق المثل القائل: «الباب الذى يجيلك منه الريح.. اغلقه واستريح»..!!