سمير رجب يكتب مقاله "غدا مساء جديد " بجريدة المساء بعنوان "بعد نصف قرن من الزمان.. تغيرت أحوال.. وأشخاص..و..و..وأحداث!"

بتاريخ: 04 ديسمبر 2018
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis

*بعد نصف قرن من الزمان..

تغيرت أحوال.. وأشخاص..

و..و..وأحداث!

*إذا كان الجنرال ديجول آثر الانسحاب فليس هذا دلالة على أن يتصرف الرئيس الشاب "ماكرون" نفس التصرف

*هكذا.. يتبين أن "الربيع المشبوه" لم يكن عربيا فقط..!

*وقف يتفرج من وقف وشمت من شمت.. ولكن:

الحرائق لا تلسع سوى أبناء الوطن.. في كل زمان ومكان!

في شهر مايو عام 1968 اندلعت في باريس مظاهرات شارك فيها آلاف الطلبة الذين سرعان ما انضم إليهم النقابات العمالية لتعم تلك المظاهرات كافة أرجاء فرنسا..!

الغريب أن الحاكم –وقتئذ- كان اسمه شارل ديجول الملقب بالأب الروحي للجمهورية الخامسة والذي يرجع إليه فضل تحرير بلاده من الجيوش النازية أثناء الحرب العالمية الثانية .. وها هم الفرنسيون يحفظون حتى الآن مقولته الشهيرة :

"إذا كنا قد خسرنا معركة.. فنحن لم نخسر الحرب.. وسوف نناضل لتحرير وطننا الحبيب من الاحتلال الجاثم على صدره"!

هذا التاريخ المشرف لم يشفع للجنرال ديجول الذي تتجه سهام الهجوم ضده لدرجة أنه ظل على مدى أيام عديدة لا يتصور أن يحدث ما يراه بعينيه.

ثم..ثم.. بعد أن بات متعذرا إطفاء النيران.. أعلن الرئيس ديجول عن تنظيم استفتاء شعبي طرح فيه اقتراحا بتطبيق مزيد من اللامركزية في البلاد وتعهد أمام الناس بالتنحي عن منصبه إذا جاءت نسبة الاستفتاء أقل من 65% ..!

وبالفعل ما إن ظهرت النتائج.. التي لم ترض كرامة الرجل.. بادر على الفور بالانسحاب يوم 28  أبريل عام 1969.

ولعل ما يثير الدهشة .. أن نفس الفرنسيين الذين أجبروا ديجول على التنحي.. هم أنفسهم الذين أخذوا يبكون ويلطمون الخدود حزنا على فراقه..!

***

اليوم..تتكرر ذات المشاهد تقريبا وإن اختلفت النوعيات.. فالمحتجون اليوم هم من يطلقون على أنفسهم أصحاب السترات الصفراء.. والذين لا تعرف هويتهم .. كل ما هناك أنهم أرادوا في بداية الأمر تحسين الأجور وإلغاء الضريبة التي فرضت مؤخرا على الوقود.. وبعد أن أضرموا النيران في الشوارع .. وفي أعز وأغلى ما يتباهى به الفرنسيون.. مثل قوس النصر الشهير..وضريح الجندي المجهول..سرعان ما ارتفع سقف مطالبهم.. ليصل إلى حد إجبار الرئيس ماكرون على التنحي وبذلك تسقط الجمهورية الخامسة لتبدأ على الفور الجمهورية السادسة..

بديهي .. أن يسقط مئات الجرحى .. وأن يتم إتلاف عشرات المتاجر والسيارات..وأن يتحول شارع الشانزليزيه..أجمل شوارع العالم إلى ساحة قتال..!

كل ذلك بينما الرئيس خارج البلاد حيث يشارك في اجتماعات قمة العشرين التي تنعقد في بيونس إيريس عاصمة الأرجنتين.. وهو ما أضافه المحتجون إلى قائمة هجومهم..إذ كيف يترك البلد.. "سداحا مداحا" ويذهب لحضور قمة روتينية لا تقدم ولا تؤخر..؟!

***

من هنا.. تثور عدة أسئلة مهمة:

Xهل يخضع الرئيس الشاب لضغوط الشارع ويضطر لمغادرة موقعه مثلما سبق أن فعل الجنرال ديجول منذ خمسين عاما..؟!

Xهل يقاوم الرئيس وحكومته ويواجه ذلك الانفلات بالحسم..وبالقوة..وبسلطة القانون..؟!

Xهل يتم الوصول إلى حل وسط.. يتمثل في التراجع عن القرارات الأخيرة التي أخرجت الفئران من جحورها..؟!

وقبل الإجابة عن تلك الأسئلة .. أود أن أشير إلى أن ما تشهده فرنسا حاليا.. لا يختلف كثيرا عما دارت أحداثه في بعض بلدان الشرق الأوسط عام 2011 وما بعده والتي أطلقوا عليها ثورات الربيع العربي..والتي ساندتها للأسف وقتها كثير من الدول الغربية..!

إنها نفس المشاهد تقريبا.. أعمال عنف.. واعتداء على رجال الأمن.. وهتافات عالية بوتيرة واحدة.. وكر وفر.. وفي النهاية ربما لا يدري هؤلاء المتظاهرون أنهم يدفعون بلادهم إلى الهاوية..!!

لذلك وقف الرئيس ماكرون يقول: ليس هذا هو شعب فرنسا.. وليست تلك وسيلة التعبير عن الرأي.. ولسنا نحن الذين نخرب ممتلكاتنا وتراثنا بأيادينا..!!

و..و..ونعود للإجابة عن الأسئلة الثلاثة باختصار:

أنا شخصيا أتصور أن الرئيس ماكرون سوف يكسب المعركة خصوصا إذا استرجع بذاكرته أحداثا مشابهة وقعت في بلدان قد  تكون مجاورة لفرنسا.. أو بعيدة عنها.. أي أنه لن يتراجع في قراراته.. وبالتالي سيقاوم الانفلات بقوة الدولة .. وبقوانينها .. وإن كان ذلك كله لا يمنعه من تقديم فروض الطاعة والولاء .. للرئيس الأمريكي ترامب.

 ولعل الرسالة تكون قد وصلت..!