كنت مرة في زيارة الصين في بداية التسعينيات من القرن الماضي وقد بدا لي أن حكام هذا البلد العملاق تواقون لكي يقدموا أنفسهم للعالم حيث إنهم وضعوا أسس تجربة يكادون أن ينفردوا بها وهي "نظرية الشيوعية وتطبيق الرأسمالية".
المهم.. دعوني ذات يوم لكي أقضي يوما كاملا مع النشاطات الصينية سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.. أو..
في الموعد المحدد تماما أخذنا مقاعدنا في أكبر الصالات الشعبية وقبل أن تصل الساعة إلى عقارب الواحدة سمعنا اسمي يتردد من خلال ميكرفون القاعة لأدرك في التو واللحظة أنني سأكون المتحدث رقم (1) وبينما أخذ فكري يذهب ويجيء إذا بالقاعة تهتز أركانها بمجرد أن خرجت أصوات منها وقد اتفقت على أن برنامج الحفل كله لن يخرج عن إطاره..!
ثم..ثم.. سرعان ما أخذ الجالسون أعلى المنصة يزيلون من أعينهم دموع سهر الليل لينطلق 22 صوتا في دفعة واحدة.
***
والتزاما بالقوانين والتعليمات الصينية التي تطبق تطبيقا حاسما أسوة بما كان يتبع أثناء الحكم الشيوعي جاءت ترانيم الصباح ليدوي الصوت الواحد صانعا نغمة مشتركة قوية لتتحرك مقاعد الصالة وموائدها وأطقمها الأصلية ضاربة أغلى مثل في العزف الجماعي سواء الرجالي أو النسائي جنبا إلى جنب.
بعد انتهاء الحفل الصباحي المهيب جاءني من يشرح الحكاية بالتفصيل قائلا:
تتكون الصين من 22 مقاطعة كلها تنضوي تحت لواء الحزب الحاكم الشيوعي ولدى كل منها تعليمات بحسن استثمار كل جزء وفقا لما يتراءى للرئيس وأعضاء مجلس إدارة وبالتالي يصبح من حقهم استخدام المياه والصرف الصحفي وثقافة السكان المحدودة بحيث يظهرون للحياة مرة أخرى وهم رافعون أعلام الانتصار والنهضة.
***
سألت أي انتصار وأي نهضة بينما الأبواب مغلقة والنوافذ موصدة والأوكسجين قد لا يكون له وجود؟
بنفس اللهجة الصارمة رد:
عندك حق ولكن نذكر من الآن أنه يوجد في هذا البلد 22 مقاطعة نالت حقها رسميا في كل ما يتعلق بإدارة شئون الحياة.
ثم..ثم.. تعال بعد 24 شهرا من الآن لنستعرض النتائج.
بالفعل قبل الـ24 شهرا المحددة بالدقة الواجبة وصلتني دعوة من حكومة الصين تتضمن تذكرة طائرة ودرجة سياحية وإقامة بفنادق ثلاث نجوم.. لأصل إلى مناطق شنجهاي وبعدها اتجهوا بي إلى إحدى مناطقها الهامة.
أخيرا.. أدركت حسب حديثهم معي أن كل مقاطعة من هذه المقاطعات متخصصة في نوع فريد من الصناعة المتقدمة ولا سيما التي تستخدم الذكاء الاصطناعي أو التي تعتمد على التكنولوجيا في كل صغيرة وكبيرة الأمر الذي أسفر عن فائض مالي ضخم بسبب كثرة الإنتاح وانخفاض تكاليفه في آنٍ واحد.
***
اليوم.. عادت ذاكرتي إلى كل هذه الأحداث عندما سمعت مدير الهيئة الاقتصادية لقناة السويس يعرض على رئيس الوزراء حسب التصريحات المتداولة تفصيلات المشروعات الصناعية التي ستقام في هذه المنطقة والتي تم التعاقد بشأنها بالفعل بقيمة قدرها 2,1 مليار دولار..!
وهكذا كان لابد أن أبتسم شأني شأن جميع المصريين وأتفاءل وأتذكر تجربة الصين الخلابة لتحسين حالة مواطنيها من صفر إلى عشرة.
***
و..و..شكرا