اسمحوا لي أن أستهل هذا المقال بالتوقف أمام أمرين أساسيين:
*أولا: أستمحيكم عذرا لابتعادي عنكم طوال الأيام الماضية فهو ابتعاد رغم أنفي وكم حاولت محاربة من كان سببا فيه لكنني للأسف لم أتمكن.
إنه فيروس الإنفلونزا اللعين الذي تبين أنه هاجم الملايين من أبناء الوطن ومازال يهاجمهم..!
وأرجوكم لا تسألوني عن اسمه وفصله فالأطباء أنفسهم احتاروا فيه وهم يقولون إنه مرة اسمه كوفيد 19 ومرة أخرى كوفيد19 المعدل ومرة ثالثة اتش وان إن وان .. وهكذا دواليك.. المهم هاآنذا أعود إليكم بعد أن افتقدتكم كثيرا كثيرا وأعتقد أنكم كذلك أيضا.
*ثانيا: أستأنف كتابة هذا المقال في ظل وجود رئيس تحرير جديد للجمهورية وبصراحة أنا لا أعرف من فينا يرحب بمن.. هل أنا الذي يقوم بهذه المهمة الواجبة باعتباري من أقدم وأكبر مؤسسي دار التحرير التي تصدر عنها هذه الجريدة العزيزة على قلوبنا جميعا أم أترك له تقديم تلك التحية الإنسانية باعتبار أن مقالي يدخل ضمن اختصاصاته الأساسية شأنه شأن أي مادة صحفية في الجريدة.
عموما.. سواء أنا أو هو فالمشاعر والأحاسيس متصلة ومع ذلك فإني أهنئه من أعماق قلبي راجيا له التوفيق في مهمته الغالية.
***
والآن.. فلندخل في صلب المقال:
أعتقد أنكم مثلي وغيرنا كثيرون.. كثيرون نظرتم إلى حرب الطائرات الإيرانية المسيرة وصواريخها الموجهة من الأرض للأرض لا تعدو أن تكون سوى لعبة الأتاري من تلك الألعاب التي يمارسها الصبية من خلال أجهزة الكومبيوتر والتي يتخيلون أنفسهم وهم يلعبون مباراة كرة قدم لابد أن تسفر في النهاية عن فائز ومنهزم ثم ينصرفون كل إلى طريقه..!
ولقد تطورت ألعاب الأتاري عبر النت حتى وصلت إلى مرحلة الحوت الأزرق والتي كانت تحتم على المشتركين فيها أن يقدم أحدهم على إنهاء حياته بإرادته وقد تنبهت الحكومات وجمعيات المجتمع المدني إلى تلك الظاهرة الخطرة فبذلت المستحيل حتى تم إيقافها أو إلغاؤها..!
لكن يبدو أن الإيرانيين لم تصلهم المعلومات الطازجة فاستخدموا نفس النظرية في دفع الطائرات المسيرة والصواريخ إلى إسرائيل في رحلة استغرقت خمس ساعات وفي النهاية لم يصب فرد واحد بمجرد جرح أو تحطيم منزل أو منشأة تابعة لأي إسرائيلي رغم أن إسرائيل نفسها تقول إنها أسطقت 99% من طائرات إيران وصواريخها.
المهم.. عندما عرفت إيران أن الدنيا كلها كشفت الحكاية اضطرت إلى أن تقول حفاظا على ماء الوجه بأن ما فعلته لم يخرج عن نطاق التجربة البحتة والدليل أن الطائرات والصواريخ لم تكن أي منها تحمل أسلحة حية أو مواد قابلة للانفجار.
***
على الجانب المقابل لم يكن من السهل أن يتقبل العالم ما حدث من إيران بل انقلبت الدنيا رأسا على عقب وتضاعف أعداؤها وأعداء سياسات حكامها أكثر وأكثر في الوقت الذي استغلت فيه إسرائيل الفرصة ورفع نتنياهو يده عاليا شاكيا ومستغيثا ومستجديا..!
أما أصدقاء إسرائيل فوقفوا أيضا متعجبين ومندهشين خشية أن تتحول مسرحية طواحين الهواء الوهمية إلى حقيقة فتدفع البشرية كلها الثمن غاليا وغاليا جدا..!
***
ومع ذلك فإن السؤال الذي يدق الرءوس بعنف:
لماذا لم نجد منكم كل هذا الحماس وكل ذلك التعاطف مع أهل غزة وطائرات إسرائيل تدكهم دكا ومازالوا حتى الأمس يعيشون على رغيف واحد لكل أسرة في اليوم الواحد أيضا..؟!
يا عالم.. يا هوو.. كفوا عن سياسة ازدواجية المعايير البغيضة والتي لم تؤد إلا لأبشع الكوارث وأكثرها دموية على مدى السنين والأيام..!
أرجوكم.. أرجوكم.. أعيدوا النظر جميعا في سلوكياتكم.. وفي تصرفاتكم.. و..و..سياستكم.. ينطبق ذلك سواء على إيران أو إسرائيل أو أمريكا التي هي في النهاية وراء كل ما هو غريب وعجيب..و..و.. ومريب..!
***
و..و..شكرا