سمير رجب يكتب مقاله " خيوط الميزان " بجريدة الجمهورية بعنوان " أفريقيا.. عشق مصر.. محطات وذكريات "

بتاريخ: 14 فبراير 2019
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis

* تقرير سياسي عن أحداث الساعة

* أفريقيا.. عشق مصر.. محطات وذكريات

* البلجيك قتلوا أيقونة أول حركات التحرير.. وعبد الناصر أتي بأولاده خلسة ليتربوا في بيته بمنشية البكري

* تشومبي الانفصالي أراد حضور مؤتمر القمة بالقاهرة بلا دعوة فأمر الرئيس بحجزه في عزل الحجر الصحي بالمطار!

* قوامي نيكروما رئيس غانا تزوج فتحية المصرية وأنجبا جمال وعندما حدث انقلاب ضده سارعت مصر بنقلهما للوطن الأم حماية لأرواحهما دون أن يجرؤ القادة الجدد علي الاعتراض

* الرئيس السيسي أشعل في نفوس الأفارقة جذوة مشاعر المودة المتبادلة.. والانتماء لأرض القارة السمراء

* 40 سنة ثورة = انهيار اقتصادي + مقاطعة دولية + سمعة سيئة + إهدار مليارات الدولارات علي ميليشيات الإرهاب!

* تصوروا.. حرب اليمن مضي عليها أربع سنوات ومازالت العاصمة "صنعاء" محتلة!!

البلد يعاني من "مجاعة" ضارية.. والحوثيون يشعلون النار في "المؤن الغذائية"!

* انتهت إجازة نصف العام.. ولا "جديد"!!

المصريون يعتزون بانتمائهم الأفريقي.. بالضبط مثلما يفخرون دوما بموقعهم العربي.. فلم يحدث علي مر السنين والعصور.. أن فرطت مصر في هذا أو ذاك .. بل حرصت دائما علي"تعميق الجذور".. وعلي بذل التضحيات من أجل أن يعم السلام والرخاء كل دول أفريقيا بلا استثناء .. وجميع أرجاء الوطن العربي من المحيط للخليج.

ليس هذا فحسب .. بل إن ثمة أحاسيس جياشة تحرك قلوب وعقول المصريين كلما قفز اسم دولة أفريقية أو عربية علي مسرح الأحداث.

من هنا.. فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي استطاع أن يشعل في نفوس الأفارقة أثناء حديثه أمام مؤتمر أديس أبابا جذوة المودة المتبادلة.. والانتماء لأرض القارة السمراء.

كلمات الرئيس.. أكدت علي أن "التقارب" واجب..

وتحقيق الأهداف المشتركة مسئولية الجميع.. دونما تفرقة أو تمييز.

ولعل الطمأنينة قد غمرت القلوب.. كل القلوب عندما طالب الرئيس بوقف النزاعات ومنع الصراعات.. والتفرغ لعمليات التنمية الشاملة التي من شأنها تغيير وجه الحياة تغييرا كاملا وشاملا وعاما.

***

طبعا.. لقد كان ممكنا.. أن تطوي ملفات النسيان هذه العلاقات الوثيقة بين مصر وأفريقيا.. بل بالفعل طوت العديد منها.. إلي أن جاء الرئيس السيسي ليتحدث عن جمال عبد الناصر.. وقوامي نيكروما وكيف أن مصر تبنت وساندت حركات التحرير الوطني في أفريقيا منذ خمسينيات القرن الماضي. حيث كانت القاهرة وجهة أساسية لكل الحركات الأفريقية الساعية للاستقلال والتحرر من الاستعمار..!

ربما كانت البداية عام 1960 عندما اشتعلت الثورة ضد الاحتلال البلجيكي في الكونغو وأفرزت الأحداث "شابا" بالغ الحماس نحو وطنه اسمه "بياتريس لومومبا" الذي لم يكف عن مهاجمة البلجيك أثناء احتلالهم لبلاده.. وبعد أن غادروها تحت الضغط الشعبي المسلح .. حتي فاز بمنصب رئيس الوزراء من خلال انتخابات حرة مباشرة الأمر الذي لم يعجب "الأسياد".. وقتئذ.. فأخذوا يحيكون المؤامرات تلو المؤامرات ضده ليؤلبوا عليه رئيس الجمهورية تارة.. ونائبه تارة أخري.. ويحرضوا علي تقسيم البلاد حتي تمكنوا منه بعد أشهر قليلة من توليه المسئولية ليقتلوه رميا بالرصاص ويذيبوا جثمانه في حمض الكبرتيك!

***

تأثر عبد الناصر تأثراً بالغاً من المصير الذي انتهي إليه لومومبا.. وبينه وبين نفسه إصرار أبلغ علي مواصلة دعم حركات التحرير!

وبينما الرئيس الراحل يتابع الأحداث في الكونغو.. إذا به ينهض فجـأة من مقعده متسائلا في قلق وتوتر: أين الأولاد؟!.. ولم يتلق جوابا.. فطلب الاتصال بسعد الدين الشاذلي قائد الفرقة المصرية في قوات حفظ السلام. مؤكدا عليه ضرورة بذل شتي السبل لنقل أولاد لومومبا إلي مصر!

لقد تذكر عبد الناصر أن لومومبا كان قد أوصاه خيراً خلال زيارته الوحيدة للقاهرة.. قائلا: ليس لهم أحد غيري..!

وهنا أود أن أشير إلي حكاية صحفية.. فقد كنت في تلك الأثناء أعمل محرراً لشئون الطيران في هذه الصحيفة "الجمهورية".. وأثناء متابعتي اليومية علمت أن شخصية أفريقية مهمة علي وشك الوصول إلي مطار القاهرة..

رابطت في المطار.. وظللت أنتظر ما يقرب من يومين حتي وصل "النصر" الصحفي.. إنه بياتريسلومومبا الذي جلست معه بمفردي في استراحة كبار الزوار لأفوز بأول حديث صحفي معه!

المهم.. لقد نجح سعد الشاذلي بالفعل في تهريب أبناء لومومبا من المنزل ونقلهم إلي أحد المباني التابعة لمصر في الكونغو.. ومنه إلي الطائرة الخاصة التي أقلعت مباشرة إلي العاصمة القاهرة.. ومنذ ذلك اليوم وأولاد لومومبا يعيشون في منزل جمال عبد الناصر بمنشية البكري.. ليتربوا مع أولاده.. ويذهبوا للمدارس وكأنهم أشقاء بحق وحقيق!

***

حكاية أخري أبلغ إثارة:

بعد أن تخلص البلجيك من لومومبا.. وبعد أن كانوا قد أوعزوا لصديقه "مويزتشومبي" بإعلان انفصال إقليم كاتانجا عن الوطن.. دفعوا به إلي منصب رئيس الوزراء!

وخلال شهر سبتمبر عام 1961 كانت العاصمة المصرية القاهرة تشهد اجتماعات مؤتمر القمة الأفريقي والتي تعمد عبد الناصر ألا يدعو إليها تشومبي!

وعند فجر أول أيام الانعقاد.. وصلت طائرة كونغولية خاصة تقل تشومبي ليرأس وفد بلاده في المؤتمر..!

ثار عبد الناصر رافعا صوته: لن يحضر.. لن يحضر.. إنه عميل وليس هذا مؤتمر العملاء..!

ولتفويت الفرصة علي تشومبي طلب عبد الناصر من سلطات الحجر الصحي في المطار حجزه في المعزل لمدة أربعة أيام باعتبار أنه لا يحمل شهادة تطعيم ضد الكوليرا!!

عندئذ .. أدرك تشومبي المغزي وغادر القاهرة التي لم يدخلها عائدا إلي بلاده..!

وقد شاءت الأقدار أن أكون أيضا أول من علم بوصول تشومبي وحجزه في الحجر الصحي لأسجل الانفراد الثاني في مسيرة حياتي الصحفية..

***

أما بالنسبة للرئيس الغاني قوامي نكروما الذي ذكره الرئيس السيسي في خطابه بالأمس.. فقد كان أيضا من رواد حركات التحرير الأفريقية.. وتولي رئاسة غانا بعد كفاح مرير ضد الاستعمار البريطاني..!

وأثناء إحدي زياراته للقاهرة تعرف علي فتاة مصرية اسمها فتحية تقيم في حدائق الزيتون .. ثم سرعان ما تزوجها.. واصطحبها معه إلي غانا. حيث أنجبا هناك ولدهما جمال الذي عمل فيما بعد صحفيا بجريدة الأهرام أبدو..!

كالعادة.. تعرض نكروما لمؤامرة شنيعة أدت إلي الإطاحة به.. وإلقاء القبض عليه..!

علي الفور تحركت مصر.. لإنقاذ ابنتها قرينة رئيس الجمهورية وأولادها ونجحت في المهمة .. لتعود "فتحية" في سرية تامة للقاهرة.. ولأكون أيضا في استقبالها ممثلا لجريدة الجمهورية.. وبذلك يتحقق الانفراد الثالث في عملي المهني داخل بلاط صاحبة الجلالة.

هذه محطات سياسية.. وإنسانية.. في رحلة العلاقات المصرية- الأفريقية وهي العلاقات -كما أشرت آنفا- بالغة التميز.. وصادقة النوايا.. لأنها تجمع شعوبا.. ذات أصول راسخة في أعماق التاريخ..!

***

والآن دعونا ننتقل من خلال هذا التقرير إلي إيران التي تحتفل هذه الأيام بالذكري الأربعين لثورتها الخمينية..!

لقد وعد قادة الثورة "آيات الله" الجماهير بحياة هانئة .. وسعادة غامرة تملأ وجدانهم .. فإذا بالواقع العملي يثبت العكس تماما..!

ها هم الإيرانيون يستقبلون ذكري ثورتهم.. وهم يعانون الأمرين من شظف الحياة!

مثلا عندما اعتلي الملالي حكم طهران.. كان الدولار الأمريكي يعادل70 ريالا إيرانيا..!!

الآن.. انخفضت قيمته ليصبح معادلا لـ 120 ألف ريال..!

انظروا.. إلي أي مدي البون الشاسع..!

ليس هذا فحسب.. بل زادت نسبة البطالة لتصل إلي ما يزيد عن 20%.. مما يجبر الشباب علي الهروب يوما بعد يوم ومن يتم ضبطه منهم.. تعلق رقبته في التو واللحظة علي أعواد المشانق..!

يعني.. تحل الذكري الأربعون للثورة الخمينية واقتصاد البلاد في الحضيض.. فضلا عن مقاطعة دولية تتزعمها أمريكا.. و..و..وسمعة سيئة يندي لها الجبين..!

الأغرب والأغرب أن الملالي ينفقون 6مليارات دولار سنويا علي سوريا و2 مليار علي حزب الله ..!

أما تصديرهم للإرهاب.. فحدث ولا حرج..لذا.. فقد كان الأمير الصغير لقطر أول من يبعث لهم بالتهنئة بذكري الثورة.. مشيرا إلي عمق العلاقات.. ومتطلعا إلي أخري أشد توثقا..!

وبديهي.. هذا شيء طبيعي بين الإرهابيين .. وبعضهم البعض..!

***

وأحسب أننا لن نبعد كثيرا.. ونحن نتأمل ما آلت إليه الأوضاع في اليمن والتي تسبب في تعقيدها والتحريض علي قتال اليمنيين لبعضهم البعض.. إيران..!

أربع سنوات من اشتعال النيران ومازالت العاصمة صنعاء محتلة من قبل الحوثيين الإرهابيين الذين تمدهم إيران بالزاد والعتاد ليسفكوا دماء الأبرياء ويدمروا كل ما تقع عليه أياديهم من ممتلكات خاصة وعامة..!

بل لقد وصل الأمر إلي حرمان الجوعي من الطعام .. حيث حرقوا المؤن الغذائية التي بعثت بها الأمم المتحدة.. حتي لا تصل إلي الأفواه الجائعة..!

***

أخيراً.. نعود ليستقر بنا المقام في مصر!

ثمة ملاحظة عابرة!

لقد انتهت إجازة نصف العام.. وهي بنفس السيناريو "القديم".. ونفس "المفهوم".. وذات التصور!

كم كنا نتمني.. في إطار عملية التطوير الشاملة للتعليم أن تحظي هذه الإجازة بقدر من الأفكار المتجددة!

وقد طالبت بذلك قبل أن تبدأ.. لكن يبدو أن د.طارق شوقي وزير التربية والتعليم "مشغول" بالعملية التعليمية ذاتها.. أما الفرعيات فقد تجيء في وقت لاحق..!

علي أي حال .. إن الإجازة .. والفصل .. والدروس .. وفناء المدرسة .. والمكتبة.. والحديقة.. كلها من عناصر التطوير..!

***

وأخيراً اخترت لك هذه الأبيات من نظم الشاعرة العربية دنانير:

يا فؤادي فازدجر عنه ويا

عبث الحب به فاقعد وقم

راقني منه كلام فاتن

ورسالات المحبين الكلم

قانص تأمنه غزلانه

مثلما تأمن غزلان الحرم

صل إن أحببت أن تغطي المني

يا أبا الشعثاء لله وصم

ثم ميعادك يوم الحشر في

جنة الخلد إن الله رحم

حيث ألقاك غلاما ناشئا

يافعا قد كملت فيك النعم

***

و..و..وشكراً