سمير رجب يكتب مقاله " غدا مساء جديد " بجريدة المساء بعنوان "الألمان.. وميركل.. وسور برلين.. وحكاية د.أمبرجر..! "

بتاريخ: 13 نوفمبر 2019
شارك:
Facebook Twitter Google+ Addthis

*ألمان "الشرق" يتحسرون على أيام "الاشتراكية" والعزلة!!

*حتى ميركل تقول إنها عاشت هناك حياة هادئة..!

*قصة إنسانية عاصرت فصولها بنفسي قبل هدم الجدار بـ21 سنة!

يبدو أن الإنسان في أي زمان ومكان متبرم بطبعه على أحواله وشئونه.. فإذا  ما وهبه الله سبحانه وتعالى الثروة تجده يتفنن في وسائل تبديدها.. فإذا ما حلت به الفاقة.. يقعد ملوما محسورا ينعي همه.. لكن بعد فوات الأوان..!

حتى بالنسبة للصحة.. فلا يستشعر المرء كيف أنها بالفعل تاج على الرءوس إلا إذا أصابه المرض.. وعز الدواء..!

***

أقول ذلك بمناسبة الاحتفال الذي أقامته ألمانيا منذ أيام بسقوط جدار برلين الذي عزل الألمان عن بعضهم البعض    حيث عاش في الجانب الغربي من عاش.. ونشأت وتربت أجيال في الجزء الشرقي.. هذه الأجيال كانت تنعي حظها لأن أبناءها لا ينعمون بحياة الرفاهية التي يعيشها أخواتهم.. أو أولاد عمهم.. أو حتى أمهاتهم وآباؤهم الذين أخضعتهم ظروف الحرب للحياة في ظل هذا التقسيم الغريب..!

تصوروا.. الآن هناك من الألمان الشرقيين الذين يتمنون أن يعودوا إلى أيام الاشتراكية حيث يحصلون على السلع بأسعار مخفضة.. وينالون الرعاية الطبية مجانا.. ويعلمون أولادهم في المدارس مجانا أيضا..!

حتى إنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا حاليا أعلنت منذ أيام أنها عاشت في ألمانيا الشرقية.. حياة هادئة سهلة.. عكس صخب وضجيج الغرب في شتى المجالات..!

الغريب.. أن أهل ألمانيا الشرقية هؤلاء كانوا يغامرون بحياتهم يوميا ويتوجهون لعبور السور.. وهم يعرفون مقدما أنهم سيتعرضون لطلقات رصاص جنود الحدود.. ورغم ذلك لا تتوقف محاولاتهم.. فمن مات يذهب وشأنه.. ومن أنقذه القدر وعاد سالما.. لا يمانع في تكرار المحاولة مرات ومرات..!

***

ودعوني أحكي لكم هذه القصة الإنسانية التي عشت تفاصيلها بنفسي:

ذهبت إلى ألمانيا الشرقية عام 1968 في بعثة لدراسة الصحافة في معهد التضامن.. وما أن هبطت الطائرة في مطار برلين.. حتى فوجئنا بالظلام الدامس يحيط بالمبنى.. والمباني المجاورة.. نفس الحال بالنسبة للشوارع التي سرنا من خلالها حتى وصولنا إلى مقر المعهد..

المهم مرت الأيام ثقيلة وما يشغل بالنا أن نعود ثانية إلى القاهرة لكن كيف.. واتفاقية البعثة الموقعة بين كلٍ من الاتحاد الاشتراكي ونقابة الصحفيين والحزب الاشتراكي الألماني تنص على توقيع عقوبات لمن يخالف أي بند من بنودها.

***

في هذه الأثناء.. تعرفنا على سيدة عجوز حاصلة على درجة الدكتوراه وكانت من بين أساتذة المعهد والتي طلبت في إلحاح مصاحبتها في رحلة العبور إلى "الغرب" حيث إن زوجها يحتضر في أحد المستشفيات هناك وغالبا لا يتم تفتيش سيارات الأجانب.

بالفعل استأجر أحد الزملاء سيارة.. ورتب موعدا مع "الدكتورة" امبرجر وانطلق صوب السور عابرين إياه في دقائق..!

في اليوم التالي اتصل الزميل بالدكتورة أمبرجر ليعود بها حيث كانت لكنها رفضت بإصرار..!

طبعا.. لم يجد الزميل بدا من العودة بمفرده.. ليفاجأ بالدكتورة "أمبرجر".. في المعهد.. وقد تورم خداها.. واحمرت عيناها.. واسودت شفتاها..!

حاول أن يستفسر عما حدث.. فأشاحت بوجهها عنه.. راجية إياه.. ألا يحاول الحديث معها بحال من الأحوال..!

***

تُرى.. لو أن ألمان الشرق اليوم.. عاصروا حكاية د.أمبرجر هل كان يمكن أن يتحسروا على حياة آبائهم وأجدادهم..؟!

***

عموما.. لقد توحدت الألمانيتان.. وخصصت الحكومة للقطاع الشرقي مليارات الدولارات لتحديث بنيته الأساسية.. وتطوير جميع مرافقه شأنه شأن القطاع الغربي بالضبط.. وإذا كان الألمان يحتفلون اليوم بمرور 40 عاما على سقوط حائط برلين.. فإن احتفالهم بالعيد الخمسيني لا شك سوف يكون أعظم.. وأجدى.. وأكثر إبهارا..!

***

و..و..وشكرا

***